عندما أعلن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز رفضه الترشح لمأمورية ثالثة وإجهاضه محاولات البرلمان الموريتاني الذي تسيطر عليه غالبية من ائتلاف الاحزاب الحاكمة لتعديل الدستور بما يسمح له ذلك فقد كانت هذه لحظة فارقة في تاريخ الجمهورية الاسلامية وربما في تاريخ المنطقة.
وبصرف النظر عن دوافع الرئيس عزيز بعدم الترشح وهل كان هناك ضغط من الجيش أو كان ذلك رد جميل للفريق غزواني لكن بلا شك انه لو أراد الرئيس عزيز البقاء فانه يمتلك أوراق رابحة يستخدمها ولكنه أدرك بحسه الوطني ان الانقسام في الوطن في هذه المرحلة سوف تكون عواقبه وخيمة فما كان به الا ان فضل المصلحة الوطنية التي هي فوق كل أعتبار ونرفع له القبعة علي ذلك متجاوزين عن اخطاء فترة حكمه الأخيرة !
رحل الرئيس عزيز بكل شرف من منصبه وليس مثلما رحل كثير من الزعماء العرب مخلوعا أو مقلوبا أو مريضا وللأسف مثلما هي العادة في الوطن العربي سينفض الكثيرين من حوله ومنهم من سيطعنه في ظهره وسيقولون ما عليه وما ليس عليه ويتناسون عن ما له ويعددون إخفاقاته ويغضون البصر عن انجازاته لكن شاء من شاء وأبى من أبى فسيظل أحد الزعماء القلائل في الوطن العربي الذين تركوا الحكم طواعية .
للحقيقة لا يستطيع أحد ادعاء أن الانتخابات التي جرت يونيو الماضي كانت انتخابات تنافسية فقد كانت انتخابات محسومة سلفا لمرشح الحزب الحاكم الذي يسيطر علي مفاصل الدولة منذ عقد من الزمان الفريق محمد ولد غزواني بالإضافة الي دعم الجيش الكبير له .
لكن هذا لا يمنع انه كان المرشح الأفضل في هذه المرحلة لما يتسم به من سمات شخصية تؤهله لذلك حيث يجمع المقربون منه انه رجل رزين قليل الكلام والظهور في وسائل الاعلام , صارم ومنظم , دقيق في مواعيده , يمتلك ثقافة واسعة . كما أن له مكانة اجتماعية مرموقة فهو ابن بيت علم وسيادة وينحدر من منطقة الوسط التي يعرف أهلها بالتحضر والانفتاح فلا شك أن هذه مواصفات رائد نهضة منتظرة.
ربما ينتاب البعض حساسية كونه رئيس عسكري ويصفونه امتداد للحكم السابق لكن بداية الغيث قطرة فهذا مجرد بداية وفي اعتقادي ان موريتانيا بعد الرئيس عزيز غير مهيئة لرئيس مدني مباشرة والا سوف تتكرر تجربة الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبدالله فشاءت الأقدار للرئيس غزواني أن يكون هو الجسر الذي تمر عليه موريتانيا الي الحكم المدني الديمقراطي ليكون ذلك ثمرة أكتمال التجربة الديمقراطية الموريتانية وعلي الرئيس غزواني ان يعي انه ليس من مصلحته او من مصلحة موريتانيا تهيأة المناخ لرئيس عسكري اخر أو قطعا العبث بالدستور وتمديد فترات الرئاسة فكل ذلك سيدخل الجمهورية الاسلامية في نفق مظلم خطير.
بالتأكيد سيواجه الرئيس غزواني عدة تحديات أهمها تجاوز الاتهام المعد سلفا له بانه امتداد للحكم السابق وسيواجه المعارضين أصحاب الاراء المعلبة الذين تنقصهم خبرة التجربة فعليه ان يتجاوز هذا كله ويواجه مباشرة مكامن الأزمة التي أهمها الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة .
وبالرغم أن الانتخابات لم تكن تنافسية بقدر كافي لكنها أفرزت شخصية مهمة جدا وهي السيد بيرام ولد الداه الذي حصل علي المركز الثاني من أصوات الناخبين متجاوزا مرشح التيار الاسلامي ولا شك ان بيرام سيكون له دور مهم في مستقبل موريتانيا فمن مثله هو الذي تتقدم به الأوطان وهو الذي حرك كثير من المياه الراكدة في هذا الوطن وحسنا فعل الرئيس غزواني بالاجتماع معه نهاية الشهر الماضي فكل هذه مؤشرات تنذر بخير ورخاء كبير للجمهورية الاسلامية.