تستوقف المراقب زوايا كثيرة في خرجة الثلاثة الذين بقوا من لجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ فهي ليست نقطة صحفية عادية لأعضاء بلجنة تسيير لحزب جمدت هيئاته منذ مدة، تهدف لإطلاع الرأي العام على سير التحضير لما بقي من أعمال مؤتمره المعلق. وليس توقيتها مجرد مساء سبت من شهر نوفمبر عام 2019.
1. تصرف الثلاثة بذكاء حين لم يصدروا بيانا يتساءل الناس عن شرعيته، وعن عدد الموقعين عليه، وهذا يؤشر إلى أمور:
- أن هذه الخرجة استدارة للبداية من موقع جديد هو موقع المتشبث بالقانون ظاهرا الممارس للسياسة في تسيير ما تبقى من المعركة حقيقة.
- أن البيان يحتاج توقيعا، وموضوع التوقيعات ليس في صالح الثلاثة لأن ما يزيد على ثلثي اللجنة وقع بيانا بما يريد الثلاثة رفضه.
- أن التوقيع سيحرج بعض من غابوا، فيزيائيا ويظن كثير من المراقبين أنهم حاضرون في الخلفية مثل الوزير محمد ولد عبد الفتاح.
2. حاول رئيس اللجنة إعطاء الانطباع بأن الخرجة إجراء طبيعي، لوضع الرأي العام في سياق الأحداث، وذلك بالإشارة إلى كون الرئيس بيجل ولد هميد رئيس للجنة إدماج المبادرات الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الحزب.
3. وحاول وضع اجتماع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في سياق الإدماج ذاته، حين ذكر أنه لتذليل الصعاب في وجه هذا الإدماج، والاستفادة من تجربة الرئيس. وكاد يبوح بالسر الذي نظمت النقطة الصحفية لمواراته، حين شدد على تشرف اللجنة بلقاء عزيز، وأنه جاء بطلب من الأخير.. ولا ندري هل علم عزيز بالصعاب وجاء لتذليلها، أم أن اللجنة عرضت أمامه الصعاب بعد أن اجتمع معها للاستفادة من تجربته.
كانت كلمته الأولى في أكثر من نصفها ثناء عطرا على العشرية، وعلى الإنجازات، وكان عزيز بحسبه هو مؤسس الديمقراطية الموريتانية.
4. فاض السر مرتين أخريين:
- مرة حين قال ولد محمد خونه بنبرة فيها شيء من التحدي إن موريتانيا لن تعود إلى لحظة 1978، وهو يقصد غالبا أن الديمقراطية الموريتانية لن تعود إلى عهد العهد الاستثنائي، وفي هذا اتهام ضمني للقائمين على السلطة الآن بأن محاولتهم تنظيم العلاقة بحزب الأغلبية الأكبر فيها نوع من تقييد الحريات. هذا الحزب الذي انعتق أخيرا من قبضة السلطة، وقرر ألا يعود إليها، وعلاقته بالرئيس السابق، لأنه هذا الرئيس السابق صاحب خبرة يمكن الاستفادة منها!! هل هذا حقا ما حاول الوزير ذو اللحية الكثة أن نصدقه؟
- ومرة أخرى حين قال في معرض رده على سؤال إن الدستور يمنع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من تسيير الأحزاب، وإن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لا يريد إدارة الحزب. هناك فرق كبير بين: من يحاول أمرا لا حق له فيه، وبين يتنازل عن حقه في أمر!.
- وفاض مرة ثالثة حين شدد على أن "المرجعية حق يراد به باطل".
5. ما حاول ولد محمد خونه قوله، استكمله بيجل بحصافة أقل؛ فتركيب كلامه، بعد حذف الزيادات التصفيقية، ومنة الدعم الراقص، يقول إنه عارض الرئيس محمد ولد عبد العزيز يوم كان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يدعم خرقه للدستور. ويمكن على وجه التأويل أن يقال إنه "يعارض غزواني الآن لأنه يخالف مقتضيات الدستور بمحاولته التحكم في حزب سياسي، ويقف مع المواطن عزيز لأنه يحاول ممارسة حقه الدستوري في الانتساب لحزب مدني"!!. لقد أطلت الوقوف مع الدستور أستاذ بيجل!!.
وكاد نجم الضفة يتعثر في عمامته عندما بدأ في تأصيل فكرة المرجعية، وأنها مستوردة، ودخيلة على الديمقراطية. بدا وكأنه لا يعي ما يقول تمام الوعي، وجال بين فرنسا الجمهورية الخامسة، والصين، وصندوق التأمين الصحي، ومسيلات الدموع.
6. المغالطة الكبرى التي نظمت من أجلها النقطة الصحفية، هي أن النقاش بشأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ومرجعيته ينبغي أن يكون نقاشا قانونيا، وليس نقاشا سياسيا. وقد أخذت هذه النقطة عدة مظاهر؛ صرح بها ولد محمد خونه أكثر من مرة، وصرح بأن كل الذي قاله النواب، والنساء والشباب، وثلثا اللجنة هي آراء لا تمثل الحزب ولا تعنيه، ولكنه لم يقل هذا عن بيان اللجنة، وإنما اكتفى بأنه بيان فقط لا يعود على النصوص بالنقض.
ولكن حديث رئيس اللجنة حاكم على كل ذلك، وكأنه ليس طرفا في المعركة السياسية، إنه حامي حمى قوانين الحزب ونظمه!. وأكمل بيجل الصورة بأن إزاحة ولد محمد خونه غير ممكنة قانونا. "الصيف ضيعت اللبن" سيادة رئيس مجلس الإدارة!!
7. النقطة الصحفية محاولة متأخرة جدا لتغيير ساحة المعركة، أو إيجاد ساحات لمعارك جديدة مستأنفة بعد أن احترقت ورقة "استعادة الرئيس السابق للحزب"، وأحرقت في طريقها أوراقا كان يظن أنها غير قابلة للاشتعال بتلك السرعة، مثل ورقة كتيبة الأمن الرئاسي، والصداقة التي هي فوق السياسة والحكم، وشعبية الرئيس الذي كان بالأمس مؤسسا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، واليوم هو مؤسس للديمقراطية الموريتانية، على لسان ولد محمد خونه. لقد فاحت روائح الأوراق مع كل نسمات نوفمبر.
8. تلاشت أوراق اللعبة في الحزب، من بين يدي ولد محمد خونه ورئيسه المؤسس؛ ورقة اللجنة التسييرية نفسها التي حضر منها ثلاثة وغاب اثنان وعشرون، وورقة المرجعية، وورقة المليون منتسب، وورقة اللجان الفرعية التي حلت في الاجتماع بالرئيس السابق، وبقيت فقط ورقة نصوص الحزب، وورقة النقطة الصحفية التي تعلن أن المرجعية هي نصوص الحزب، وأن السلطة والأشخاص إلى زوال.
فعلا إلى زوال: وكذلك رئاسة الأخ الوزير، ولجنته، ومعهما الحزب، تماما كما زالت سطوة وسلطة الرئيس المؤسس من قلوب اثنين وعشرين من أعضاء اللجنة غابوا عن النقطة الصحفية. وصلى الله وبارك.
بقلم الزميل: عبدالله ولد لحبيب