إثر نشر محكمة الحسابات لتقارير سنوية تتعلق بسوء التسيير في بعض الشركات الوطنية، هبت عاصفة هوجاء من الإفك والتجريح والسب والشتم يقودها بعض سفهاء الفيسبوك ضد بعض الشخصيات الوطنية التي اشتُهرت بالنزاهة والأمانة والإخلاص للوطن ...
أكثرُ من وردت أسماؤهم في التقارير فضلوا السكوت (ربما لاعترافهم بخروقات أثناء توليهم مسؤولياتهم)، غير أن البعض الآخر ممن لم يرتكب أي خروقات تسييرية ، لم يجد – وحُقَّ له في ذلك - غضاضة في أن يبين وجهة نظره ويذب عن عرضه في وجه هذه العاصفة من الإتهامات والشتائم.
وفي هذا السياق، كتب المدير السابق لشركة المحروقات "أبو بكر الصديق ولد المرواني"، مقالا شافيا مفصلا أجاب فيه عن ما ورد في تقرير محكمة الحسابات حول إدارته للشركة الموريتانية للمحروقات.. وردَّ على ما كتبه ضده بعض أهل الجرح والتسفيه من قذف وتشهير. وسوف أورد ههنا تلخيصا مبسطا لمقاله ، يفهمه العامة ويستأنس به الخاصة.
يأتي تلخيصي لهذا المقال اعتبارا لظروف متصفحي الإنترنت؛ حيث أن أغلب الفيسبوكيين وخاصة من الشباب لا يستمرؤون السطور الطويلة ولا يستسيغون التفاصيل الفنية المسهبة، بل يفضلون المختصرات والتعاليق. لهذا السبب بالذات ، أردت أن ألخص ما جاء في مقال (أبي بكر) ، فحذفتُ كل الشروح و التفاصيل التقنية التي وردت في المقال الذي نُشِر في أحد المواقع الإخبارية الوطنية ذات الإنتشار الواسع.
يمكن تلخيص المقال في أفكار ثلاثة ، هي :
1- الفكرة الأولى :
ادّعى بعض المدونين نقلا عن تقرير محكمة الحسابات أن "ولد المرواني" مسؤول (عن خسارة البلد لمئات آلاف البراميل من النفط)، وبعضهم زعم أنّ قيمة البراميل تصل (32 مليون دولار من مال الشعب وثرواته ) "ابتلعها" (ولد المرواني) في جوفه!
في مقاله، أجاب المدير السابق لشركة المحروقات بما نصه :
(العجيب أننى كنت أجبتُ على ذلك فى حينه ... حيث تواصلتُ مع أعضاء محكمة الحسابات وزودتهم بالشروح والأدلة، بل وجئتهم من فرنسا وطلبت الاجتماع بهم لشرح الردود أمام جميع أعضاء الغرفة. وقد تعجب البعض من الخطوة لأنها لم تكن معهودة على ما يبدو، ولكن رئيس المحكمة آنذاك قـبِل عقد جلسة للغرفة المعنية للاستماع لدفاعى. وعلى إثره عبرتْ لى الغرفة آنذاك عن فهمها للتوضيحات بما يرفع ما كان حاصلا من سوء فهم... وإنه من الغريب أن يتم الإبقاء على مثل هذا "المأخذ" دون اعتبار للرد والتوضيحات التى قدمتُها في حينها كتابيا وشفهيا وأبانت المحكمة عن فهمها آنذاك)
2- الفكرة الثانية :
ادِّعاء بعض مدوني الفيسبوك - مستندين على قراءة متسرعة لتقرير محكمة الحسابات - أن :
إدارة شركة المحروقات في عهد أبي بكر الصديق ولد المرواني، كانت تتعامل مع أستاذة للانكليزية " براتب قدره تسعة ملايين أوقية، وهو راتب تسعين معلما او ثمانين استاذا للانلكيزية وغير الانكليزية " (حسب عبارة بعض "تبّاخي" الفيسبوك) . وقد ردّ (ولد المرواني) على هذه السفاهة مبيّنا أن العقد المذكور مع أستاذة الإنكليزية، كان من مخلفات الإدارة السابقة وأنه هو من أوقف العقد ورفض دفع هذا الراتب للأستاذة.
قال كاتب المقال ما نصه : (...وعقدٌ مع أستاذة أمريكية كانت تدرّس الانجليزيه لأطر المشروع. كلها عقود سابقة لمجيئى و لقد أوقفتُ العقود المجحفة ورفضت دفع المبالغ الغير مبررة، حفاظا على المال العام)
3- الفكرة الثالثة
زعم بعضهم أن إدارة (ولد المرواني) كانت تعطي راتبا شهريا باهظا لمدير تونسي بقيمة 2300 دولار لليوم!
أجاب أبو بكر أن هذا الراتب كان قبل تأسيس الشركة المورتانية للمحروقات . وأنه – أي الراتب المذكور - ( من إرث الوزارة فى الفترة 2003-2005 والمشروعِ التابع لها المسمى "مجموعة مشروع شنقيط" ) . و صرح أنه هو من اعترض على هذا الراتب وأعلن وقفه للعقد مع "شركة صيانة المنشآت النفطية" التونسية المعروفة بـ SMIP .
يقول أبو بكر ما نصه (وقد رفضتُ دفع المستحقات المزعومة التي بقيت الشركة التونسية تطالب بها، وواجهتُ ضغوطا من بعض الوزراء ممن رغب فى تسديد تلك المبالغ بحجة أن شركة smip من دولة صديقة "وموريتانيا تواجه الضغوط من وزارة الخارجية التونسية لمصلحتها).
في آخر مقاله ، استنكر الرجل الحملة الموجهة إليه ظلما وعدوانا، ودعا إلى الهدوء والتحلي بمكارم الأخلاق، فقال :
(لأجل ذلك كله، أقول للجميع لا تقعوا فى فخ من يتسرعون فى توزيع الشتائم والإساءات وألوان القذف والتجريح، فلقد تم حرمانكم من هذه التقارير وهذه المعطيات عشر سنوات، فهلا صبرتم أياما لتُفرزوا منها الغث من السمين، عسى أن "تبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة"... ) انتهى الإستشهاد.
في الختام، نستنتج من الشروحات التي عرضها في مقاله المدير السابق لشركة المحروقات أن الخروقات التيسيرية التي أوردها تقرير محكمة الحسابات تتعلق - في أغلب نقاطها - بتسيير " مشروع شنقيط" ، وليس بالشركة الموريتانية للمحروقات التي تأسست على أنقاض هذا المشروع والتي تولى إدارتها (ولد المرواني)..
ولنا أن نسأل لماذا صِيغ تقرير المحكمة بطريقة توهم القارئ أن إدارة (ولد المرواني) هي المسؤولة عن الخروقات التسييرية والنفقات الغير مبررة، في حين أن الفاعل الأساسي في هذه الخروقات هو الإدارات السابقة (مشروع شنقيط و الوزارة الوصية)؟ فلماذا يتستر عليهم أهل الجرح والتسفيه من المدونين و بعض أهل السياسة؟ أم أن ثمت تحامل متعمَّد على بعض الشخصيات الوطنية لأسباب وأغراض معينة، مقابل التستر على آخرين هم أولى بالتحقيق معهم ومتابعة تسييرهم للشركات العمومية.
و أخيرا، ماذا عن مؤسسة الجيش؟ ألا يليق بمحكمة الحسابات إن كانت جادة في مهمتها ومخلصة في عملها ، أن تحقق في تسيير كبراء الضباط للإدارات العسكرية التي أوكِلت إليهم في زمن العشر العجاف؟ لا شك أن ما ستفرزه تلك التحقيقات ، إن قيم بها بمهنية، سوف يدهش المواطن وسوف يكشف عن فساد حقيقي لا يتصوره حسبان ولا يخطر ببال إنسان.
ومن أراد المقال بكل تفاصيله، فليضغط على الرابط أدناه: