منذ انتهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ سبعة سنوات تقريباً، لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التحرش بمصر سواء لفظياً في كثير من المؤتمرات والفاعليات الدّولية التي يشارك فيها أو فعلياً بدعمه الجماعات والميليشيات الإرهابية داخل مصر، وفي عدة دول خاصة في ليبيا الواقعة على حدود مصر الغربية وتقديم الدعم المادي وتوفير الغطاء السياسي والإعلامي لها. وقد كان رد الرئيس المصري على هذه التحرشات في بداية حكمه أنه عندما يوجه أحد لنا إهانة لا نرد عليه وما علينا سوى أن نعمل أكثر وأكثر ونهزمه بنجاحنا .
وتعددت القمم الثلاثية بين الرؤساء الثلاثة المصري واليوناني والقبرصي على الأقل مرتين سنوياً. وتم ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط في خطوة غير مسبوقة وتوالت اكتشافات الغاز. وعلى المستوي السياسي أزاح الشعب السوداني حكم الإسلاميين الذي طالما دعمته أنقرة واستأجرت منه جزيرة سواكن الاستراتيجية الواقعة على البحر الأحمر. وعلى الحدود الغربية يقترب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي تدعمه مصر من السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس والقضاء على الميليشيات الإرهابية التي تدعمها تركيا.
مما أفقد الولي العثماني توازنه ليقرر على ما يبدو أن يرقص رقصته الأخيرة ويوقع اتفاقية مع ما يسمى بحكومة الوفاق الليبية غير المنتخبة أو بمعنى أصح مع خمسة من أعضائها، هم ممثلي الإخوان المسلمين في ليبيا. إضافة إلا أن اتفاق الصخيرات الدولي الذي أنجب هذه الحكومة الذي يتشدقون به لا يخول لها عقد الاتفاقيات الدولية دون موافقة البرلمان بناء على المادة الثامنة منه وهو ما لم يحدث. علاوة على أنه لا حدود بحرية بين ليبيا وتركيا التي تفصل بينهما جزر يونانية .
إذاً هذا الاتفاق ولد ميتاً كأنه كتب على مياه البحر الأبيض. وعندما سخر منه العالم قالوا إن هذه مذكرة تفاهم وليست اتفاقية !
لكن حسناً فعل الولي العثماني بهذه الدعابة التي أسماها تفاهمات ليشجع مجلس النواب الليبي على سحب الثقة من هذه الحكومة غير الشرعية وغير المنتخبة، ويعجل بسيطرة الجيش الليبي على العاصمة طرابلس بدعم الدول الصديقة لإنهاء هذا الهراء سريعاً .
مشكلة أردوغان الولي العثماني الجديد أنه قلب فقط نصف أوراق التاريخ أو ربما قلبها كلها. ولكنه لم يفهم معطيات العصر !
فيبدو أنه عندما فتح كتاب التاريخ قرأ أن جده العثماني الأكبر سليم الأول احتل مصر وعرف أنه لم يكن يستطيع ذلك سوى بمساعدة خونة الأوطان، مثل خائر بك الذي خان وطنه ودخل العثمانيين القدامى القاهرة بسببه على جثث شعبها. فقرر أن يجذب إليه أولاً خائرين العصر الحديث أو كما أسماهم المصريين في العصر القديم والحديث خونة الأوطان وأسموا أنفسهم إخوانه !
لكنه علي ما يبدو لم يقرأ أن الجيش المصري الذي أسسه محمد علي هزم العثمانيين في جميع المعارك وكاد أن يصل إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية (اسطنبول حاليا). وربما قرأ وعرف فيما بعد أن الأوربيين أنقذوا الأستانة من قبضة المصريين . وهذا ما يمني به نفسه أو يعتقد أنه يحتمي به وهو حلف الناتو ظناً منه أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه. وهذا سبب استنكاره لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الواقعية التي وصف فيها الحلف بأنه أصابته سكتة دماغية !
فيا ليت الولي العثماني يعلم أن لا خونة الأوطان الذين يخونون أوطانهم بحثاً عن خلافتهم المزعومة قادرون أن يوصلوه إلى مراده، ولا الغرب سوف يحمي سلطانه كما حمى سلطان جده منذ ثلاثة قرون بل هو من سيدفعه إلى المصيدة!
يوحنا أنور داود
كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي
[email protected]