لستُ من الذين يهتمون للأسماء المتغيرة للحزب الحاكم، واستقرُ غالباً على تسميته “الحزب الجمهوري”ربما لأنه عاشَ معنا منذ أغسطس 1991 وحتى أغسطس 2005..
عندما وصلني خبر انتخاب أحد أطر تمبدغه على رأس الحزب الحاكم، عادت بي الذاكرة، إلى الأسبوع الأول من أكتوبر 1996 حين كنتُ موفد جريدة “موريتاني نوفيل” إلى “اتنيبه” تحديداً، والتي كان من المتوقع أن تشهد نزالاً سياسياً ساخناً في انتخابات نيابية، تركتُ خيامَ حملتها خاوية على عروشها في نواكشوط، رغم المشاركة الشكلية للمعارضة.
أوصاني المدير الناشر للجريدة العميد أباه ولد السالك بأن التقي جميع الأطراف، بما في ذلك عمدة “بوصطيله” السيدة فاطمة الزينه منت اسباغو، التي يرى طرفا الصراع السياسي التقليدي في تمبدغه أن الرئيس ولد الطايع شخصياً هو من رشحها في لتكون نائباً في البرلمان، إلى جانب النائب الشيخ محمد الأمين ولد امحيميد، في إقصاء واضح لطرف النائب السابق حمود ولد أمحمد تغمدهم الله جميعاً بواسع رحمته.
لم أجد الوقتَ الكافي لتنفيذ وصية رئيس التحرير محمد الأمين ولد أباه “امينْ”الذي طلب ورقة عن أدب تمبدغه الغزير والجميل.
وصلتُ مدينة اعيون العتروس في الرحلة الأسبوعية للخطوط الجوية الموريتانية، والتقيتُ بعض ساسة الحوض الغربي، وعلى رأسهم الوالد العميد سيدي ولد احمديه، الذي جمعتني به السياسة عن قرب في حزب اتحاد القوى الديمقراطية، حيثُ خُضنا معركة حسمه لمقعد رئيس المجموعة الحضرية – نواكشوط، في بلديات 1994 التاريخية.
وصلتُ مساءً مدينة تمبدغه، كانت الحملة باهتة، وفهمتُ لاحقاً أن ترشيح الحزب الجمهوري لعمدة بوصطيله في لائحة النواب، أفقد التنافس حيويته ورونقه، فحتى جناحُ الشيخ محمد لمين لا يرغبُ في إقصاء جناح آخر، له وزنه، مثل جناح حمود ولد أحمدو.
لم أجد كبير عناءٍ في معرفة منازل قادة السياسة، ولا أتذكر بمن بدأتُ، لكنني التقيتُ جميع الأطراف تقريباً، وكنتُ موضع ترحيبٍ كبير، وكرمٍ معهود في أهل امحيميد، وفي كل أرجاء تمبدغه، وقد أفادني لقائي بالسيدين حمود ولد أعلي ويحي ولد لبات كثيراً في التعرف على الخريطة السياسية للمنطقة إجمالاً.
أجًرتُ سيارة رباعية الدفع لتوصلني إلى بلدية “بوصطيله” حيث أخبروني هناك أن العمدة منت اسباغو توجهت إلى بعض القرى التابعة للبلدية، في سلسلة لقاءات تعقدها بالناخبين، وكي لا أتكلف عناء البحث عن سيارة أخرى، عدتُ إلى تمبدغه في ذات السيارة.
حدثني الوالد حمود ولد أحمدو بأريحية كبيرة عن الواقع السياسي للمدينة، معرباً لي عن تقديره لاهتمام الجريدة بالشأن السياسي في المقاطعة، لكنه أكد لي أن ما نسمعه في نواكشوط من صراع بين قطبي تمبدغه لا أساس له من الصحة، ولا مبرر له داخل أسرة واحدة خبرَتْ السياسة منذ أمد بعيد، حتى وإن كانت ترشيحات الحزب غير موفقة، وغير عادية..
كان الشيخ محمد لمين عفوياً في إجاباته، بعد أن شرحت له مهمتي، وفهمتُ منه أن أطرافاً نافذة في الحزب الجمهوري تسعى لإذكاء الخلاف في تمبدغه، وهو ما لن يحدث حسب تعبيره..
على حداثة سني (25 سنة) أحسستُ أنني محظوظ جداً وكبيرٌ جداً، حيث التقيتُ قامتين وطنيتين نادرتين، وخلصتُ من حديثي مع كل منهما إلى أن تمبدغه هي صانعة السياسة في الحوض، لذلك كانت قوةُ وكاريزمية قادتها السياسيين مستهدفة دائماً، وكانت التعييناتُ محدودة في الأطر المنحدرين منها أيضاً.
تلك حقيقة أصلُ إليها اليوم، فلو لم يكن الأمر كذلك لوصل دور رئاسة الحزب الحاكم،أو الوزارة الأولى إلى “اتنيبه” خاصة أن رئاسة الحزب والوزارة الأولى قد جالتا في كل ربوع الحوض:من “آمورج” إلى “جكني” مروراً بـ”ولاته”و”باسكنو” و”النعمة”oulla