عبّر يحيى ولد أحمد الوقف، نائب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، عن تثمينه للمستوى المتميز لعلاقات بلاده مع الإمارات، مؤكدا أنها علاقات تاريخية متجذرة وجسدتها زيارة الرئيس محمد ولد الغزواني.
واعتبر ولد أحمد الوقف في مقابلة خاصة مع صحيفة "العين" الإماراتية، أن هذا التميز في العلاقات بين الشعبين الشقيقين يتأسس على التقارب ووشائج الترابط التاريخي التي نسجها القادة المؤسسون للبلدين؛ المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس الراحل المختار ولد داداه.
وأوضح نائب رئيس الحزب الحاكم في موريتانيا أن حزبه الذي يعدّ الذراع السياسية للنظام الحاكم سيظل مؤازرا وداعما قويا لكل التوجهات والخطوات التي من شأنها أن تعزز أواصر الأخوة والصداقة بين البلدين الشقيقين، تكريسا لتنمية هذه العلاقات الاستراتيجية بينهما.
وتطرق ولد أحمد الوقف في المقابلة لبعض القضايا المتعلقة بموقف موريتانيا من التدخلات الأجنبية في المنطقة وواقع الحزب الحاكم بعد مرحلة التجاذبات السياسية الأخيرة، ثم مبررات وعوامل إنشاء لجنة التحقيق البرلمانية الأخيرة للنظر في ملفات تسيير الرئيس السابق.
وفيما يلي نص المقابلة:
* ما تقييكم لمستوى علاقات موريتانيا والإمارات على ضوء زيارة الرئيس الغزواني الأخيرة؟
- أشكر القيادة والشعب الإماراتي الشقيق، هذه الزيارة التي أداها الرئيس الغزواني للإمارات لها خصوصيتها كونها علاقات تاريخية وضع أسسها مؤسسا البلدين الشقيقين الرئيس الراحل لموريتانيا المختار ولد داداه، وسمو القائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أن خصوصية هذه العلاقة تستند أيضا إلى طبيعية التقارب والتلاقي والتمازج بين الشعبين، ليوطدها الدعم المستمر والكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة اتجاه المجهود التنموي لموريتانيا، الذي تجسد في البنى التحتية.
وأذكر هناك أن أهم مشروع تزامن مع تأسيس موريتانيا خلال السبعينيات كان ما يسمى طريق "الأمل" الذي يربط مناطق البلاد بعضها ببعض، وكان للإمارات دورها الكبير في تمويل هذا المشروع، وتعبئة الموارد لهذا المشروع الذي راهنت عليه موريتانيا في تلك الفترة.
ودعمت الإمارات في المجال التنموي تاريخيا موريتانيا كذلك من خلال تمويل مشاريع منظمة "استثمار نهر السنغال" الذي تطل عليه موريتانيا، وهي مشاريع تشمل الزراعة والطاقة الكهربائية، ما شكل رافدا قويا للتنمية الموريتانية، انطلاقا من استغلال موارد البلاد المرتبطة بموقعها في هذه المنظمة التي تضم دولا أخرى مطلة على النهر كالسنغال ومالي وغينيا.
ويمكن القول إن هذه العلاقات ظلت على مدى تاريخ البلدين في تطور مستمر لتصل إلى مرحلة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وشعبيهما، وتجسد هذا التعاون والخصوصية في العلاقات بالمعاملة المتميزة للموريتانيين المقيمين بالإمارات وما يلقونه من تكريم وحفاوة وود من طرف أشقائهم في الإمارات.
* كيف ترون الحفاوة البالغة بالرئيس الغزواني في الإمارات؟
- كانت زيارة الرئيس الغزواني للإمارات تجسيدا لهذا التميز والخصوصية في علاقات البلدين، وناجحة بجميع المقاييس، فكان أولا الاستقبال والحفاوة من قبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وكذلك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والقادة والمسؤولين في الإمارات، وهي حفاوة تعتبر تأكيدا لتميز وخصوصية هذه العلاقات.
* ما حجم الدعم المالي الإماراتي لموريتانيا الذي تمخضت عنه الزيارة؟
- كانت نتائج الزيارة ومخرجاتها ناجحة بشكل عام، لا سيما في جانبها الاقتصادي والتنموي، فالدعم المالي الذي قدمه صندوق خليفة بين زايد لتطوير المشاريع التنموية في موريتانيا هو دعم غير مسبوق في تاريخ البلد، فلم تحصل موريتانيا منذ نشأتها على مستوى من الدعم المالي كالذي حصلت عليه من الإمارات والبالغ ملياري دولار.
وهو دعم يأتي في ظرفية خاصة بالنسبة لموريتانيا التي وضعت حزمة مشاريع متعددة هدفها القضاء على الغبن والفقر، وهذا من شأنه يجعل الدعم المالي الذي تقدمه الإمارات يترك آثارا إيجابية جدا بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لموريتانيا.
هذا بالإضافة إلى مذكرات التفاهم في المجالات المتعددة من تعليم وأمن وثقافة وحقوق إنسان، وهو ما يجعل من المناسب القول إن هذه الزيارة التي أداها الغزواني للإمارات بنتائجها تعتبر أنجح زيارة قام بها رئيس موريتاني لأي بلد خارجي منذ إنشاء الدولة.
كما أننا في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا نثمن عاليا النتائج الإيجابية لهذه الزيارة على صعيد العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين، ونعبر عن شكرنا لدولة الإمارات على ما تقوم به من دعم لصالح البلد، وتقديرها لموريتانيا.
وسنعمل من جانبنا كحزب على تطوير هذه العلاقات، وسنكون سندا قويا وحاضنة لكل الجهود التي تسهم أكثر في توطيد عرى الصداقة والود والتعاون بين البلدين الشقيقين.
وعموما لا يمكن تقييم الزيارة من دون الرجوع إلى هذه الخلفية التاريخية التي تفسر هذه الحميمية في العلاقات بين قادة البلدين وشعبيهما الشقيقين.
* ما أهمية هذه الزيارة في توقيتها بالنسبة لموريتانيا؟
- يمكن القول إن النتائج المهمة لهذه الزيارة على الصعيد التنموي أتت في وقتها بالنسبة لموريتانيا التي تعيش تحولا ديمقراطيا وانفتاحا سياسيا جديدا يحتاج الدعم والمؤازرة من الشقيقة الإمارات، التي عودت موريتانيا تاريخيا وحاضرا على الوقوف بجانبها من أجل مصلحة شعبها وازدهاره.
* هل تسعون للاستفادة من تجربة الإمارات في التنمية؟
- تحتاج موريتانيا إلى الاستفادة من النموذج الإماراتي في التنمية، ومن شأن هذا التطور والتميز في العلاقات أن يفتح لموريتانيا فرصة الاستفادة من هذا النموذج، خصوصا ما يتعلق منه بالتنمية البشرية بما هو معروف عن الإمارات كونها من أكثر الدول تركيزا على الاستثمار البشري وبناء الإنسان، وهنا تكمن الأهمية بالنسبة لموريتانيا التي تتوق إلى الاستفادة من النموذج الإماراتي في هذا المجال.
* هل تجاوز الحزب الحاكم مرحلة التجاذبات؟ وأين موقعه بالنسبة للغزواني؟
- كما أشرت، نظم الحزب مؤتمرا عاما عاديا منذ شهرين تقريبا، وهو حدث يعتبر بالنسبة لنا كقيادة ومناضلين بالحزب، مؤتمرا تاريخيا، نتيجة للظرفية السياسية التي يمر بها البلد، من خلال ما يقوم به الحزب حاليا من خطوات لتفعيل جميع هياكله من أجل مواكبة التحول السياسي للبلد من خلال الوقوف خلف برنامج الرئيس الغزواني، وحكومته، من أجل الاستجابة لتطلعات الشعب الموريتاني في المجال الاجتماعي، لا سيما فيما يخص دعم ومؤازرة الفئات الاجتماعية الهشة، والقضاء على الغبن والفقر.
* ما أسباب إنشاء لجنة للتحقيق في ملفات تسيير الرئيس السابق؟
- أعتقد أن إنشاء هذه اللجنة يأتي في إطار التحول الذي يشهده البلد منذ بدء تولي الرئيس الغزواني لقيادة البلد، وهو تحول سمح بتغيير النظام الداخلي للبرلمان بما يعطي للبرلمان دوره الرقابي من أجل محاربة أي شبهات فساد أو اختلالات ما.
وهذا التغيير الذي سمح بإنشاء هذه اللجنة يأتي في إطار الانفتاح السياسي وتعميق التجربة الديمقراطية في البلد، حيث كان الدور الرقابي للبرلمان في السابق معطلا، وهذا ما يجعلنا نأمل أن يكون إنشاء هذه اللجنة بداية لعمل برلماني حقيقي للرقابة التي تعتبر عنصرا أساسيا في العملية التنموية، وتحتاج الحكومة دائما إلى رقابة من البرلمان.
* هل ترون أن سبب إنشائها تتبع الفساد أم لأسباب أخرى؟
- هذه اللجنة ليست لها أغراض شخصية، وليست موجهة بأي شكل من الأشكال، وسيكون دورها التحقيق في بعض القطاعات التي توجد بها شبهات وأوجه فساد، وأرى أن سبب الحديث هنا في موريتانيا عن أهداف موجهة وراء لجنة التحقيق البرلمانية يعود إلى عدم تعود البلد على إنشاء مثل هذه الآليات الرقابية.
* ما موقف الحزب الحاكم من الإشكالات بمنطقة الساحل؟
- يحسب لموريتانيا مواجهتها للتحديات الأمنية باستراتيجية فعالة وحكيمة أسهمت في قدرة البلد على السيطرة على حدوده وتأمينه من العمليات الإرهابية، ومع ذلك نحن كدولة موريتانية نراهن على تعاون مجموعة دول الساحل بالإقليم.
والموريتانيون هم أصحاب فكرة إنشاء هذه المجموعة الإقليمية لمحاربة الإرهاب، حتى نعمل على أن نضمن جميعا في الإقليم تجنيب دولنا هذه العمليات الإرهابية، لأننا نرى أنه ما دامت هناك عمليات إرهابية تضرب دول الإقليم فالخطر سيبقى يتبرص بنا.
* كيف ترون تأثير التدخلات الخارجية على دول المنطقة؟
- فيما يخص التدخلات الأجنبية بالمنطقة، فلموريتانيا موقف ثابت؛ هو ضرورة احترام سيادة الدولة من طرف الدول الأخرى ورفض أي نوع من أنواع التدخل الأجنبي في قضايا منطقتنا وأمتنا العربية.
واعتقادنا الراسخ أن مشاكل أشقائنا البينية على مستوى كل دولة لا يمكن أن تحل إلا عبر الأطراف المعنية مباشرة في هذا البلد أو ذاك، من خلال الحوار الذي لا يستثني أي طرف أو مكون في هذا البلد أو ذاك الذي يعاني من أزمة داخلية، وهو موقف عبر عنه الرئيس الغزواني بشكل واضح.
ونحن في الحزب نؤكد أن كل ما يهدد بلدا من بلدان المنطقة يهدد أمن جميع بلدانها، وهو ما يجعل الحل التوافقي هو الضامن لتجنيب المنطقة خطر التدخلات الأجنبية في شؤونها.
* كيف تقيمون دور الإمارات في دعم مجموعة الساحل ودول المنطقة لمواجهة الإرهاب؟
- لا يخفى على أحد أن دولة الإمارات العربية المتحدة لها مساهمتها الأساسية في مساعدة بلدان منطقة الساحل على التصدي لآفة الإرهاب وتنامي خطر الحركات المتطرفة، سواء فيما تعلق الأمر بالتعاون الثنائي بين الإمارات وهذه البلدان، أو من خلال دعمها لتجمع بلدان الساحل الخمسة الذي يضم موريتانيا والتشاد ومالي وبوركينافاسو والنيجر.
ونحن كمتابعين نرى أن الإمارات قدمت الدعم السخي لبلدان الساحل بما مكن جيوش بعض البلدان من اقتناء المعدات اللازمة لمواجهة عنف الحركات المتطرفة، كما جاء الدعم الإماراتي لهذه البلدان من خلال دعم التكوين والتدريب والمساهمة في مؤتمرات المانحين الدوليين التي نظمت لجمع تمويلات قوة مجموعة بلدان الساحل الخمسة.
وهناك الدعم الثنائي الإماراتي الموريتاني في مجال محاربة الإرهاب عبر التكوين وتبادل مذكرات التفاهم في المجال الأمني والعسكري، وهناك التعاون المشترك لنشر فكر الوسطية والاعتدال عبر القواسم المشتركة بين الشعبين الموريتاني والإماراتي التي تقوم على الانفتاح على الآخر، وتبني ثقافة التسامح، ونزعة الاعتدال التي تطبع سلوكيات مجتمعينا الموريتاني والإماراتي.
يذكر أن يحيى ولد أحمد الوقف، نائب رئيس الحزب الحاكم في موريتانيا هو رئيس وزراء سابق وأستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد وقضايا التنمية.
ترأس حزب العهد الوطني "عادل" الحاكم أيام عهد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وقاد حكومته الثانية إبان فترة حكمه القصيرة ما بين 2007 و2008.
وأعلن دعم حزبه للغزواني إبان ترشحه للرئاسيات الموريتانية الصيف الماضي، قبل أن يعلن اندماج حزبه السابق (عادل) في الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية" خلال مؤتمر العام الثاني الأخير الذي تم خلاله انتخاب ولد أحمد الوقف نائبا لرئيس الحزب الحاكم.