الآن التاريخ ينتقم لنفسه، إذ تعُود الصين وروسيا إلى المشهد الدولي بكل هذه القوة والسرعة التي نراها. في الوقت الذي تنهار فيه الأنظمة الصحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الغرب، وتتحكم الفوضى في مفاصل السياسات والعلاقات الدولية بين أمريكا وأوروبا وداخل أوروبا نفسها؛ في هذا الوقت، تتعافى الصين وتتحرك في كل الاجتهات والقارات لإغاثة الجميع. وتنهض روسيا وتتدخل لمساعدة إيطاليا وإسبانيا وغيرهما. وحتى كوبا..تعود هي الأخرى لتقول كلمتها وتحجز لنفسها مكانا آمنا في المنظومة القادمة.
إن التاريخ ينتقم لنفسه من شر العولمة الزائفة والرأسمالية المتوحشة والآحادية القطبية وحضارة "الكوو- بوي" والرضوخ لهيمنة السوق والفردية والأنانية وتفكيك الأسرة والمجتمعات.. لقد أظهرت قِيّم المركزية والانضباط والانتظام وتبعية الفرد للجماعة والتشارك والتعاون والتكافل قوتها وملاءمتها لحقيقة وجوهر "الإنسان" بصفته "كائنا اجتماعيا" وليس "فردا" معزولا قابلا للبقاء وحده.
ختاما، لا أحد يستطيع اليوم التنبّؤ بما سيكون عليه العالم بعد وباء الكورونا، ولكنه بالتأكيد لن يكون كما كان.. إذا كانت التوازنات قد تغيرت في تسعينات القرن الماضي بسبب الحرب الباردة وهي حرب بالكلمات؛ فحري بها أن تتغير غدا بسبب حرب الفيروسات...وسيكون التغيير، هذه المرة، لصالح "الكادحين".. أولئك الذين يخضعون طوعا للحجر الصحي احتراما للمصلحة العامة، ويفقهون معنى التضامن والتشارك والالتزام والانضباط والتضحية والأخلاق..
والله أعلم.
من صفحة الوزير والسفير السابق محمد فال ولد بلال