في تركيا، حين تعالت أصوات المواطنين من كل حدب وصوب، محملة وزير داخليتهم مسؤولية الأحداث التي وقعت، نتيجة الإعلان المفاجئ لحظر التجول، لم يحاول الرجل الدخول من هنا والخروج من هناك للتهرب من الأمر، أو (البحث عن الثانية عشرة زوالا عند الثانية ظهرا)، كما يقول الفرنسيون، بل قام فورا بتقديم استقالته لرئيس الوزراء التركي، وصرح بشجاعة أنه يتحمل كامل المسؤولية المترتبة على ما جرى،
هذا الحدث تزامن مع مثول وزيرنا الأول الأسبق، مولاي ولد محمد لغظف، أمام لجنة التحقيق البرلمانية، لمساءلته حول بعض ملفات العشرية المنصرمة،
ووفقا للتسريبات التي رشحت عن جلسة المساءلة، فإن معاليه حين سئل عن بيع العقارات العمومية، الذي كان السمة الغالبة للعشرية، لدرجة تحول معها البلد إلى وكالة عقارية بدون بواب، رد الرجل بأنه ليست له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بتلك البيوع، بمعنى أنه كان يسمع عنها مثلي ومثلك، وحين سئل عن صفقة الأعلاف الشهيرة، قال إنه رفضها، لكنها أبرمت من وراء ظهره، يبدو أن المسكين كان وزيرا أول، بنصف دوام!
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المرء، في مثل هذا الموقف هو: لماذا لم يستقل الوزير الأول وقتها من منصبه فيخلي مسؤوليته ويخلص ضميره؟ لكن علينا أن نلتمس العذر لأعضاء اللجنة في عدم طرحه، فمثل هذا السؤال هو عين العبث في بلد آخر ما يفكر فيه ساسته هو الاستقالة، بلد، المسؤول فيه (كأنما تُــشَــدُّ هــواديــهِ إليَ هــضــبَــتــي إج)، على رأي شاعر موريتانيا الكبير، محمد بن الطلبة، حين يصف تطاول ليله، قائلا في جيميته الشهيرة:
فَــيــا مــن للَيــلٍ لا يـزولُ كـأنّـمـا،
تُــشَــدُّ هــواديــهِ إليَ هــضــبَــتــي إج.
ومع ذلك، لو كنت عضوا في لجنة التحقيق البرلمانية، لكنت سألت معاليه:
هل أنتم متأكدون، سيدي، بأنكم كنتم وزيرا أول؟
من يدري، فربما يكون ساعي اللجنة، قد أخطأ في العنوان!
من زاوية "أحيانا" التي تنشر على يومية السفير بقلم الكاتب الصحفي: بشير عبد الرزاق