وسط عتمة النفاق واشتداد التملق والتسلط لمن أصبح في السلطة ربما يختفي عن نظر الأمة من كانوا يوماً ملء كونها ومن نشلوها من بئر عميقة كان يظهر في الافق انه لا نهاية لها!
قبل أن يظهر ذلك القائد المخلص الذي استطاع تحريك مياه طالما ظلت راكدة في سكون بغيض، أفرز رائحة متعفنة لم يعد يحتملها الوطن!
لعله لم يكن المخلص بالنسبة للجمهورية الإسلامية سوى العقيد الراحل أعل ولد محمد فال. الذي أنهى حكماً استمر أكثر من عشرين عاما للرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، بانقلاب عسكري أبيض استلم من خلاله الحكم في الجمهورية الإسلامية من خلال رئاسته للمجلس العسكري الانتقالي للعدالة والديمقراطية الذي ضم ثماني عشر عقيداً لمدة لم تزد عن عشرين شهراً، أعد فيها دستوراً عصرياً للبلاد. تضمن المادة الثامنة والعشرين التي تنص على أنّ "رئيس الجمهورية يعاد انتخابه مرة واحدة فقط". وذلك لأول مرة في البلاد بل في الوطن العربي وهي المادة التي تنعم بها موريتانيا حتى الآن. فهي التي أنهت حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بعد محاولات خبيثة للالتفاف عليها وتعديلها.
وبعد الانتهاء من جميع الترتيبات الخاصة بالمرحلة الانتقالية وإعداد الدستور، قبل انتهاء السنتين الّلتين طلبهما العقيد الراحل في بداية الانقلاب. أجريت أول انتخابات تعددية تنافسية يتنافس فيها مدنيين على سدة الرئاسة في البلاد. وينتخب في مارس 2007 الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله كأول رئيس مدني منتخب. ليس في موريتانيا وحسب بل في المنطقة العربية، وينصب رسمياً في أبريل 2007 في حفل مهيب لم يحضر فيه أي قائد عربي. ربما خجلاً وربما خوفاً من انتقال عدوى الديمقراطية إلى بلاده!
بعد هذه الأحداث المتلاحقة والسريعة تصدرت موريتانيا الكثير من عنواين الصحف والمقالات التحليلية المهتمة بالديمقراطية في الوطن العربي وأفريقيا. وقد كانت صورتان تعكسان نظرة الوطن العربي وأفريقيا للجمهورية الإسلامية. في ذلك الوقت تبنى الصورة الأولى الدكتور سعد الدين ابراهيم رئيس مركز بن خلدون للدراسات الاجتماعية الذي دعم التجربة وأشاد بها. وكتب مقالاً في جريدة نيوزويك الامريكية عنوانه "أيها الحكام العرب خذوا الحكمة من موريتانيا". أشاد فيها بالعقيد الراحل وتم نقل المقال في عدة صحف مصرية وعربية. أما الصورة الثانية التي تبناها الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل من خلال لقاء له على قناة الجزيرة شكك فيها من قدرة موريتانيا الواقعة في أقصى الصحراء على المحيط الأطلنطي على التأثير على باقي الدول العربية والأفريقية في قيادة التغيير الديمقراطي.
وما بين نصيحة إبراهيم وتشكيك هيكل وفي خلال خمس سنوات فقط تم الإطاحة بأربعة رؤساء عرب في ثورات شعبية عارمة في تونس ومصر وليبيا واليمن فيما سمي بالربيع العربي. و انهاء حكم ديكتاتوريات عتيقة في أفريقيا في بوركينا فاسو وزيمبابوي إضافة إلى الرئيسين الجزائري والسوداني بوتفليقة والبشير الّلذين تم الإطاحة بهما العام الماضي.
ربما يعتقد البعض أن مشروع العقيد ولد فال فشل بالانقلاب العسكري الذي قاده الرئيسين السابق والحالي عزيز وغزواني في أغسطس 2008. وعلى فرض صحة هذا فعلى الأقل من حق الرجل أن ينظر له من هذا المنظور "إنه صاحب مشروع وطني ديمقراطي"
ومع ذلك فإنه حتى هذه اللّحظة لم يفشل مشروعه فقد انتهى حكم الرئيس السابق ولد عبد العزيز بموجب المادة 28 في الدستور الذي تأسس عام 2006 في فترة حكم العقيد أعل. الحقيقة أنه سوف يحكم على نجاح المشروع أو عدمه بعد انتهاء حكم الرئيس غزواني وإذا كان سيكون هناك عبث بالدستور أو لا !
رحم الله العقيد أعل ولد محمد فال أسد الصحراء الرجل الوطني الخلوق الرجل الذي ليس مثله رجل.
يوحنا انور داود / كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي