هي جرثومة صغيرة، صغيرة، بحيث لا تُرى بالعين، تكمن داخل الداخل من الجسد البشري، فاذا العالم كله طريح الفراش، وكثير من ابنائه يذهبون في طريق بلا عودة، ويموتون بلا وداع ولا مشيعين، بل يرمون في قبور جماعية، ثم يرحل الاهل مبتعدين عنهم حتى لا تصيبهم العدوى.
وفي الوطن العربي، تأخرت جرثومة كورونا في الوصول إلى دوله، فخاف ملوكها والامراء والرؤساء من اعلان حقيقة وصول الوباء إلى ممالكهم وإماراتهم والجمهوريات.. لكن الوباء اقوى من أن يكتم سره، فاخذ ملوكهم والامراء والرؤساء يعترفون بوصوله إلى بلادهم على استحياء، خوفا من المؤاخذة والاتهام بإنكار المسؤولية عن حياة رعاياهم.
أسقطت هذه الجرثومة التي لا ترى بالعين المجردة المؤسسات العربية، التي تضم دولهم: الجامعة العربية وما يتفرع منها وعنها من لجان وهيئات ومنظمات..
كما ضربت المؤسسات الدولية وخرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب يتهم الصين بأنها هي من “صدر” هذه الجرثومة القاتلة، وردت منظمة الصحة الدولية عليه بأنها فعلت ما في وسعها، وان حكومته هي المسؤولة عن صحة الاميركيين.
وفي بريطانيا ضربت جرثومة الكورونا رئيس الحكومة بموضة شعره الاشقر المميزة، فاضطرته إلى الانقطاع عن مهامه.. إلى حين، لكنه تذكر في معتزله أنه لا يجوز لوريث تشرشل ومؤتمن السر عند الملكة التي شاخت ولم تمرض، فقرر أن يشفي نفسه ويعود إلى “10 داونينغ ستريت” في لندن ليمارس صلاحياته وقد بدا مرهقاً، متعباً، زائغ البصر..
ولما انتبه اهل النظام العربي إلى أن كبريات الدول وأعظمها قوة الصين، الولايات المتحدة، دول اوروبا الغربية من اسبانيا حتى السويد، مروراً بإيطاليا ـ التي “انتجت” فيها جرثومة كورونا مجزرة، إلى سويسرا المصيف والمتجر والمصرف الدولي… قد اعترفت بوجود الوباء واخذت تنشر ارقام المصابين وضحاياه، وهم بالآلاف، باشرت نشر ارقام المصابين بخفر، ثم اضطرت إلى الافصاح عن حقيقة اعداد المصابين.. حتى لا تتهم بالتستر على هذا الوباء القاتل.
..ولقد تسبب وباء كورونا، ومن غير أن يدري، بحرب اتهامات دولية، أخطرها أن واشنطن ترامب قد اتهمت بكين بالتستر على الداء، وبالتالي على احتكار الدواء واسباب العلاج ..ولقد ردت الصين على ترامب الذي طالب بالإفصاح عن اسرار الوباء ومسؤوليتها عنه، فأعلنت انها مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة على معالجة المصابين.. اذا هو اراد!
وها أن هذ الوباء القاتل قد اجتاح العالم جميعاً، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وأرعب الخلق كلهم، بأجناسهم والوانهم المختلفة، البيض والسود والصفر والسمر.
صحيح أن الاصابات بهذا الوباء قليلة نسبياً في الوطن العربي، بمشرقه ومغربه، ولكنه يمكن أن يتخفى ويكمن ولو إلى حين، ثم يباغت الخلق، فيفضح تواطؤ الحكومات على رعاياها.. وهو مارسته العديد من الحكومات العربية وكأن الوباء “سر حربي” لا يجوز كشفه او الاعلان عنه، لان ذلك يتضمن ادانة مباشرة للأنظمة الحاكمة.
هكذا كان الحال مع السعودية، في حين أن الكويت والامارات وقطر واجهت الموقف بالإعلان عن خطورة الوباء وضرورة التزام “المحبس” وارتداء الكمامات والامتناع عن مهرجانات القبل و”عبطات” الشوق.. تعويضا عن اللهفة بعد غياب!
إن انتشار هذا الوباء في أربع رياح الارض يثبت مجموعة من الحقائق المنسية ومنها:
1 ـ أن الانسان واحد، فقيراً كان او ملكا، طبيباً- عالماً او مواطنا عاديا (موظفا برتبة عليا او دنيا) او عاطلاً عن العمل، معيلاً كان او عازباً، تاجراً او مالكاً او خفيراً او حتى لو كان ممرضاً او طبيباً.
2 ـ لقد اكد هذا الوباء القاتل أن العالم بإنسانه، واحد، لا يهم اختلاف اللون او الجنس .. وان التضامن او التعاطف او المودة هو بعض العلاج، إن لم يكن الاساس فيه..
فالوحدة قاتلة، فكيف إذا صاحبها الوباء…
ربما لهذا اقيمت في الولايات المتحدة الاميركية، خاصة، وفي بلاد غربية، مدافن جماعية للضحايا المجهولين لهذا الوباء القاتل.
“يا رب نفسي.. اللهم أبعد عنا هذه الكأس”.. و”أحبك يا صديقي ولكن اليس اكثر ما احب نفسي.. والوباء قاتل، فاذهب انت وربك فقاتلاه، فلسوف اهرب منك ومنه، واتركك في حماية الله وغفرانه.. يا روحي ما بعدك روح”!
على أن ما تجدر ملاحظته في هذا المجال: أن الوباء قد ضرب الفقراء والمعدمين اساسا، سواء في نيويورك وسائر الفقراء والميامين في مختلف المدن الاميركية، وكذلك فقراء فرنسا وايطاليا واسبانيا واسوج والنروج والدانمارك.. وفي ما عدا رئيس حكومة بريطانيا فانه لم يضرب أي رئيس (ترامب، مثلاً، او ملكة بريطانيا ذات الخمسة وتسعين عاما.. فضلا عن الملوك والرؤساء العرب، بدءا من السعودية، مروراً بلبنان الخ..)
ومع تمني الشفاء لكل المصابين بهذا الوباء القاتل، فإننا نطالب الجميع بالحرص على حياتهم، ومعها حياة الآخرين.
حماكم الله جميعاً، وحمى ذرياتكم الصالحة، من هذا الوباء وكل وباء..
..تكفينا مخاطر العدو الإسرائيلي والفقر السائد مقابل الغنى الفاحش،
وعلى الله فليتوكل المؤمنون!
طلال سلمان: كاتب ورئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية