قرأت كغيري من متتبعي المواقع الوطنية ورُواد منصات التواصل الاجتماعي مقالَ رأيٍ حول عملية الدعم المالي الذي تنفذه المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الاقصاء (تآزر) لصالح أكثر من مائتي ألف أسرة على عموم التراب الوطني.
لقد سعى المقال المذكور، ذو الدوافع والخلفية الواضحة، إلى إثارة اللغط عبر انتهاج مسلكِ الإسقاطات الجزافية وتقديم الاقتراحات السطحية، معتمدًا على تعميمات واستنتاجات تنم عن كسلٍ مهني وعجزٍ عن تحمل عناء التحقق.
وكإطار عاملٍ في التآزر وقبلها في وكالة التضامن واكب هذا النوع من العمليات وعلى دراية تامة بتفاصيلها وآليات تنفيذها، ارتأيتُ أن أُنيرَ مُتتبعي الفضاء الإعلامي حول هذا الموضوع، عبر معلومات حقيقية، موثقة ومُتاحة لكل مُهتم.
أولاً: عكس ما ذُكر في المقال، إن عملية التحويلات النقدية التي بدأ مسارُها سنة 2016 لم تستطعْ حتى منتصف 2019 أن تُغطي سوى 8 مقاطعات من أصل 57 (امبود، سيليبابي، ولد ينجه، غابو، باركيول, كنكوصة، الطينطان، كوبني)، وبعددٍ إجمالي من الأسر المستفيدة بلغ فقط 30.962 أسرة. كما أن مبلغَ التحويلات يُعتبرُ غايةً في الزهد، إذ لا يتجاوز 15 ألف أوقية قديمة لكل ثلاثة (3) أشهر.
ولعل المعلومة الوحيدة الدقيقة التي ذكر المقال في هذا المجال هي إسنادُ تنفيذ العملية إلى بنكٍ محلي بتكلفة بلغت أكثر من 8% وفق عقدٍ موقع بتاريخ 21 نوفمبر 2018.
ثانيًا: إن السعيَ إلى مقارنة العملية الجديدة بسابقتها يؤثر فقط على مصداقية المقال وكاتبه. فالمقارنة ليست واردةً، لا من حيثُ الشمولية ولا عدد المستفيدين ولا حتى من حيثُ مبلغ التحويلات. فالعملية الحالية ستشملُ كافة قُرى الوطن ليستفيدَ منها ما يناهز 205 آلاف أسرة محتاجة، كما أن مبلغ التحويل سيتضاعف.
ثالثًا: إن الجزم بأن المسار الحالي لن يُمكن التآزر من الحصول على عرض أفضل من 5% دليل آخر على سطحية المقال واستخفافٌ بعقل القارئ باستخلاص نتائج مناقصة لا زالت في بداياتها. فعلى أي أساسٍ استند الكاتب في استنتاجه، مع العلم أن المناقصة مفتوحةٌ أمام جميع البنوك الوطنية ومؤسسات تحويل الأموال كما هو موضحٌ في ملفها الذي يبدو أنه قد اطَلعَ عليه جيدًا.
رابعًا: إن اقتراحَ بدائلَ لتنفيذ العملية، تنشدُ الإثارةَ أكثرَ مما تتوخى الفاعلية والشفافية، برهانٌ على عدم إدراكِ التعقيدات الفنية المرتبطة بعمليةٍ بهذا الحجم. فنقلُ الأموال نشاطٌ مهنيٌّ صِرْفٌ يتطلب خبرةً ومساطرَ إجرائيةً ووسائل لوجستية ومعلوماتية ليست مُتاحة لغير المؤسسات المتخصصة.
وبناءً على ما تقدم، يمكن دون عناءٍ استخلاصُ أن المقال تناول هذه العمليةَ غيرَ المسبوقةِ في تاريخ البلاد بداعي الإثارة وليس الإنارة، وهو ما استوجب التنويه والإحاطة.
والله من وراء القصد.