لا شك أن استمرار الصراع الليبي الليبي بين قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات والميليشيات التابعة لحكومة الوفاق المنبثقة من اتفاق الصخيرات 2015 والمعترف بها دوليا المحصور حتى الآن داخل ليبيا فقط، بصرف النظر عن دخول قوى إقليمية وعالمية على خط المواجهة بين الفرقاء. سوف يشكل خطرا كبيرا في المدى القريب على منطقة شمال أفريقيا ومنها سوف يمتد إلى عمق أكبر داخل القارة السمراء بالإضافة إلى خطره على جنوب أوروبا .
فالبلد الشاسع المساحة مليون وسبعمائة وستون كم2، القليل من حيث تعداد السكان، لا يتجاوز السبعة ملايين نسمة. ويقع وسط الشمال الأفريقي ويتلامس مع الجنوب الأوروبي عبر البحر الابيض المتوسط وله حدود مع العمق الأفريقي. يتدفق إليه آلاف المقاتلين خاصة من سوريا ومن الصومال وكثير منهم يحمل أفكار متشددة ومتطرفة. وقد يكون بعضهم يعمل تحت لواء تنظيم داعش الإرهابي، مما يشكل خطرا كبيرا على دول المنطقة خاصة دولة الجزائر الشاسعة المساحة أيضا أكثر من مليوني كم2 كأكبر دول القارة مساحة والخصبة شعبيا لتوغل هؤلاء المتشددين داخلها, وتونس الخصبة سياسيا بتواجد تنظيم الاخوان المسلمين في دائرة الحكم لانخراط تلك التنظيمات داخلها وبالطبع لن تكون المغرب وموريتانيا والسودان بعيدة عن دائرة الخطر بالإضافة إلى مصر .
بعد سقوط نظام القذافي أواخر عام 2011 إثر ثورة شعبية عارمة ضد نظام حكمه بدأت في فبراير 2011. وبعد الضربات المتتالية لحلف الناتو على قواته لم تنعم ليبيا كثيرا بالأمن. وكأنها قايضت طغيان ديكتاتور بشبه انعدام أمني واستبداد ميليشيات إرهابية ترعاها دول إقليمية لتنفيذ أجندات خاصة بها. وتوالت العمليات الإرهابية أهمها اعتداءات بني غازي التي راح ضحيتها السفير الأمريكي كريس ستيفنز وعدد من مساعديه والعملية التي راح ضحيتها ذبحا أكثر من عشرين مواطنا مصريا يعملون في ليبيا. وهي العملية التي تبناها لاحقا تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عبر تسجيل مصور لمشهد ذبح الضحايا. بالإضافة إلى ان ليبيا كانت نقطة انطلاق للعديد من العمليات الإرهابية داخل الأراضي المصرية نفسها في الصحراء الغربية والتي راح ضحيتها العشرات أشهرها حادث كمين الفرافرة 2014 الذي راح ضحيته عشرات الجنود ,وحادث الاعتداء على أتوبيس كان يقل مواطنيين مسيحيين عزل ذاهبين للصلاة في أحد أديرة الصحراء الغربية.
مما اضطر مصر للتدخل لفرض الأمن على حدودها ودعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي نجح بفضل الدعم المصري بالسيطرة على بني غازي وكامل الشرق الليبي. وهو ما ساهم إلى حد كبير في تامين حدود مصر الغربية ووقف تلك الهجمات الإرهابية والقبض على العديد من الإرهابيين المتورطين في هجمات سابقة. أهمهم الإرهابي هشام عشماوي الذي تم القبض عليه عام 2018 من قبل الجيش الوطني الليبي بالتنسيق مع المخابرات الحربية المصرية ومن ثم تسليمه إلى مصر وتقديمه للمحاكمة.
لكن ما حظيت به مصر التي تمتلك أكبر وأقوى جيش في المنطقة، قد لا تحظى به دول أخرى قد لا تستطيع درء خطر هذه التنظيمات لو انفجرت وتشعبت داخلها ! فالآن وليس غدا الفرصة سانحة لهذه الدول خاصة دول شمال افريقيا، مصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا لتجنب خطر انفجار هذه الميليشيات الإرهابية من داخل ليبيا إلى خارجها حيث الدول المجاورة عبر تبني موقف موحد حازم رافض لجميع أشكال التدخلات الخارجية في ليبيا. وتدفق السلاح والمرتزقة التي تقوم به دول خارجية خاصة تركيا التي صرحت بذلك علنا في تحدٍّ واضح لدول المنطقة والمجتمع الدولي الذي فرض حظر سلاح على ليبيا عبر الأمم المتحدة وهو ما يساهم في تأجيج الصراع وإطالة أمده. مما يشكل خطرا كبيرا على دول المنطقة .
يوحنا أنور داود
كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي