رحم الله الدكتور محمد محمود ولد أماه.. الرجل الوطني الصريح في مواقفه.. والاقتصادي البارز الذي قاوم -بكل ما أتي من قوة وبيان - سياسات الإقراض التي اعتبرها مجحفة بموريتانيا، تلك الاتفاقيات التي أبرمها نظام الرئيس الأسبق معاوية مع المؤسسات النقدية الدولية، لأسباب يراها النظام وجيهة من وجهة نظره..
حدثني مصدر مطلع أن معاوية أثناء المفاوضات مع البنك الدولي أزعجته محاضرات ولد أماه لطلبة الجامعة، وفي المجالس الخاصة، عن كارثية الاتفاقية على الاقتصادي الموريتاني.. فوصلت رسالة استدعاء من ديوان الرئاسة إلى ولد أماه من أجل لقاء الرئيس.. في اللقاء كان معاوية قليل الكلام كعادته.. قال وأسارير وجهه مطوية: أرجوك أوقف انتقاداتك لهذه الاتفاقية على الأقل في فترة المفاوضات.. ونحن ماضون في هذا الاتفاق وسنوقعه في النهاية..
قال ولد أماه: هذا فقط هو ما استدعيتني من أجله..؟
معاوية: نعم
عندها ضحك ولد أماه كثيراً… وقال يا لك من حكومة "غريبة" (وكأنه يريد أن يقول غبية)
وأضاف: حتى إذا لم يوجد من معارض لهذه الاتفاقية، كان يجب عليكم البحث عنه.. إذا كنتم ماضون في هذا الاتفاق..
قولوا لهم: كل الشعب الموريتاني معارض لهذا الاتفاق، يعارضه رجال الاقتصاد والسياسة، ويعارضه الشعب بأكمله، ولكي نوقع معكم لا بد أن تعطونا شروطاً جيدة حتى يكون الاتفاق مقبولاً من الناس.
عندها انطلقت أسارير وجه الرئيس معاوية قليلاً.. ثم قال: "قل ما شئت عن هذا الاتفاق في أي مكان..".
عندها لاحظ الناس أن محاضرات ولد أماه انتقلت من مدرجات الجامعة لتصبح مهرجانات في الملاعب والساحات العامة..
حضرت أحد هذه المهرجانات وأنا مراهق.. واعتقد أنني أنا وبائعة "بيصام، وامبرو صوص" التي اشتريت منها يومها، فهمنا مغزى المحاضرة، تماماً كما فهمه المتخصصون..
تلك قدرة ولد أماه على توصيل المفاهيم الاقتصادية العويصة لكافة الناس بأسلوب، "السهل الممتنع" المرح.. رحم الله ولد أماه.