في مؤتمر افتراضي عقدته المفوضية الأوروبية حول معالجة التمييز ضد الجاليات المسلمة تم تبادل الخبرات من أجل تحديد قنوات تعاون أفضل لمكافحة التمييز، وتعزيز " التعاون بين منظمات المساواة بشكل أكثر فعالية مع السلطات الوطنية والمجتمع المدني، لتقديم دعم أفضل للضحايا، وكذلك كيفية وضع تدابير تمنع التمييز ضد المسلمين في المقام الأول" .وفي هذه المناسبة أكدت السيدة هيلينا دالي، المفوضة الأوروبية المكلفة ملف المساواة، بأن الجالية المسلمة في أوروبا تواجه تمييزاً متزايداً في عديد من مجالات الحياة، بسبب دينهم، وبالاقتران مع أسباب أخرى مثل الأصل العرقي والجنس، وأوضحت أن ذلك يعرض حقوق الجاليات المسلمة الأساسية للخطر، ويمنع الإعمال الكامل لتحقيق المساواة. ودعت الدول الأعضاء، إلى بذل مزيد من الجهود، لضمان تطبيق القواعد الحالية بالكامل، في كل أنحاء الاتحاد الأوروبي. وفي تصريح نشرته جريدة «الشرق الأوسط» قالت المسؤولة الأوروبية «لاحظنا أن المواطن لم يعد يتقبل تعرضه للعنصرية بسبب إعاقته أو لون بشرته أو العقيدة أو الأصل والعرق. ولقد لاحظنا في الفترة الأخيرة ازدياد الشكاوى بسبب التعرض للعنصرية في الشوارع، بسبب العقيدة والمعتقدات، ومنها تعرض الفتيات المحجبات لمضايقات من جانب البعض، لدرجة تصل إلى تعدي البعض عليهن بشد الحجاب من فوق رؤوسهن، إلى جانب التمييز العنصري للمحجبات في مجال العمل، ونحن الآن نبحث عن الطريقة التي يجب اتباعها لتفادي حدوث ذلك».
إن موضوع معاناة الجاليات المسلمة من السلوكات والاجراءات العنصرية في عدد من الدول الأوروبية مازال مطروحا بحدة منذ الثمانينيات من القرن الماضي .ومع مطلع الألفية الثالثة ازدادت الأمور تعقيدا، خاصة بعد استفحال ظاهرة الخوف من الإسلام، بعد أحداث التطرف والإرهاب، وظهور مصطلح"أسلمة أوروبا"، وبداية اكتساح أحزاب اليمين المتطرف للمشهد السياسي والانتخابي في الدول الأوروبية، فاحتد النقاش حول حقوق الأقليات المسلمة ، وازداد الاهتمام بموضوع المواطنة ، وعدم الإساءة للأديان .
لقد رحبت رابطة العالم الإسلامي بموقف المؤتمر الافتراضي عقدته المفوضية الأوروبية بخصوص حقوق الجاليات المسلمة وحمايتها من الإجراءات القائمة على العنصرية والكراهية . وهذا الترحيب يستند إلى أهداف الرابطة الداعية إلى تعزيز الاندماج الإيجابي للجاليات المسلمة في مجتمعاتها واحترام ميثاق المواطنة الذي قبلت به والتزمته . ولتحقيق هذه الأهداف حرصت الرابطة على بث الرسائل التوعوية في المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تعقدها في جميع دول العالم التي تؤكد أن الإسلام دين الصدق والوفاء وأن طليعة أسباب احترامه وتقديره وتفهمه هو قيمه الحقيقة المتمثلةُ في التسامح والتعايش ونشر السلام والمحبة والوئام والمواجهة الفكرية السلمية والحضارية لنظريات الشر والكراهية بما يبطلها ويفكك مزاعمها.
والواقع إن ما يرتكب من إساءة وانتهاك لحقوق الأقلية المسلمة ، عبر وسائل الإعلام أو غيرها، في أي دولة من الدول الأوروبية يندرج ضمن مسؤولية هذه الدول التي يتوجب عليها التدخل من أجل منع ذلك ومتابعة القائمين به قضائيا ، باعتبار تصرفاتهم تدعو إلى العنصرية والكراهية، وإثارة الفتن، والمساس بحقوق الآخرين، وإلى التمييز ضدهم على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون . وهو تصرف ترفضه كل المواثيق والقوانين الدولية ، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة، الذي أكد في مادته الثانية على " حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز على أساس العنصر أو اللغة أو الدين " واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، التي تشكل الأساس القانوني للإعلانات ولمختلف القرارات ذات الصلة، لأنها تشجب التمييز العنصري بكافة أشكاله وتشجب الدعاية والتنظيمات القائمة على الأفكار والنظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة.
وبالرجوع إلى القوانين الجنائية في مختلف الدول الأوربية، يلاحظ أنه في مجموع هذه القوانين يمكن التمييز بين القوانين التي تؤكد على حماية النظام العام، وتلك التي تسعى إلى حماية الكرامة الإنسانية.فالخطابات العنصرية التي تستهدف مجموعة أو أقلية ما ، قد تعد تهديدا للنظام العام، وبالتالي فهي من حيث درجة خطورتها تعادل السب والقذف الموجه لشخص محدد بعينه . إن هذه القوانين في كثير من الأحيان لا تحمى حقوق الأقليات في حد ذاتها، رغم كونها تؤكد على حماية الكرامة الإنسانية، وحماية النظام العام. ففي بعض الدول الأوروبية يتم منع الخطابات العنصرية المبنية على الكراهية، لكن يتم التغاضي عن الخطابات الموغلة في العنصرية والكراهية التي تسب وتحتقر وتسيء إلى الإسلام والأقليات المسلمة.
و انطلاقا من رسالتها الحضارية الهادفة إلى نشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي ، واستلهاما لمبادراتها الدولية الرائدة في مجال ترسيخ قيم العيش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم ،وتعزيز التسامح والحوار بين أتباع الأديان ، والدفاع عن الهوية الثقافية للأقليات المسلمة عبر العالم ، وانفتاحها على الثقافات الأخرى ، واندماجها في المجتمعات التي تعيش فيها ، تعد اليوم رابطة العالم الإسلامي أكثر المنظمات مصداقية وقدرة على توعية الأقليات المسلمة في العالم على التشبت بهويتها الثقافية والدينية ومساعدتها على الالتزام باحترام القوانين المنصوص عليها في دساتير الدول التي تعيشها فيها هذه الأقليات، إما كمهاجرين شرعيين أو مواطنين كاملي المواطنة.