السنة الماضية نقلت الأخبار والصور القادمه من مدينة سيلبابي وبعض مدن الوطن عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حالات مأساوية لبسطاء المواطنين المتضررين من الأمطار والسيول، لكنها فى الواقع وضعية تثير تساؤلات عن واقعنا عن فشلنا كمجتمع وكدولة.
كيف نضيع ثروة طائلة من فيض الله ونعمه دون ان نقابلها بالحمد والشكر المتمثل فى إستغلالها وحسن التصرف فيها.
كيف فشلت الحكومات المتعاقبة في أن تؤسس لثورة زراعية ستقودنا حتما إلى ثورة شاملة.
فى كل عام تفيض أوديتنا وسهولنا وتغرق مدننا ويتضرر مواطنينا ثم ننتظر الخريف القادم وكأننا لم نستفد من درس العام الماضي، وتنتظرالحكومات حتى تحل الكارثة وتزهق ارواح لتتدخل وتواسي بدل أن تستبق وتخطط وتبرمج قبل الحوادث.
إن ثروة مياه ألأمطار الدائمة تضيع كل عام نتيجة غياب إستراتيجية وطنية فى مجال الزراعة وعدم وجود سدود تحفظها لتوجيهها إلى مشاريع زراعية ورعوية لمساعدة أصحاب الدخول المحدودة أو إستفادة عديمي الدخل وهم كثر.
إن موريتانيا ألأعماق لا تريد البترول ولا الغاز ولا الذهب، بل تريد الزرع والضرع والخضر والفواكه والأعلاف، وهذه يمكن توفيرها بسهولة لو أن الدولة تحملت مسؤوليتها فى مجال الزراعة وأنشأت عشرات المشاريع الزراعية تحت إشرافها ودون وسطاء معتمدة على من لديهم إستعداد تام ليغرسوا بأيديهم تحت حرارة الشمس.
إن أزمة الزراعة في بلادنا والعجز عن تحقيق ألإكتفاء الذاتى من أكبر ألإختلالات ومظاهر الفشل التى نعانى منها منذ نشأة الدولة، فأ راضينا الصالحة للزراعة تقدر بأكثر من 500 ألف هكتار، منها تقريبا 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال وهي أراضى خصبة جدا وحوالي 240 ألف هكتار ترويها مياه الأمطار إلا أن حوالي 46 ألف هكتار هي التى تم إستصلاحها، وهو رقم ضعيف بالمقارنة مع حاجياتنا، حيث تستهلك البلاد سنويا حوالي 300 ألف طن من الأرز، ومع أن زراعة الخضراوات أكثر سهولة من الأرز إلا أن بلادنا تعانى نقصا كبير في إنتاجها محليا لتبقى سوقا مفتوحة أمام حصاد الزراعة المغربية والسنغالية ويعتبر عدم القدرة على توصيل الماء لبعض المناطق الزراعية من أكبر العوائق المطروحة.
عندما كنت مدرسا في مقاطعة سيلبابي(سنة 2000) فى قرية تبعد حوالي 45 كلم من مدينة سيلبابي كنا نشرب مياه السيول فى الوديان وبعد نفادها يتحول ألأمر إلى أزمة ليضطر السكان إلى شرب ماء مالح يجلبونه على مضض من بئر بعيدة.
رأيت بأم عيني كيف تضيع ثروة مياه الأمطار والسيول وكيف يعانى سكان تلك المناطق حيث الدولة غائبة تماما.
ومن الغريب اننا ونحن نناقش مشكلات نقص المياه وزيادة عددالسكان والبطالة فإن معدل تساقط الأمطار سنويا في بلادنا يقارب 300 ملم إضافة إلى السيول ولاكن لا نستفيد منها بل تتحول إلى أزمة في حين أنه يمكاننا إستثمارها كثروة حقيقية.
على الدولة أن تبدأ من ألآن قبل أن تجف مياه ألأمطار بالخطوات التالية:
- القيام بدراسات فى كل المدن لمعرفة كيفية الإستفادة من مياه ألأمطار والسيول.
- بناء خزانات وسدود على مشارف القرى والمدن لهذا الغرض.
-إقامة مشاريع زراعية مروية في كل المدن والقرى.
- تكوين آلاف الشباب فى الداخل فى مجال الزراعة المروية و الموسمية.
-ألإستفادة من خبرات الدول المجاورة كالمغرب والسنغال في هذا المجال.
- تخصيص رواتب شهرية معتبرة للعاملين فى مجال الزراعة كموظفين مع تشجيعات أخرى بعد الحصاد.
- وقبل هذا كله على الدولة ان تقوم بتأميم الأراضي الزراعية وتحويل البلد إلى ورشة زراعية، فمشكلة الملكية العقارية تعتبر عائقا كبيرا وتجعل غالبية المزارعين في وضعية الأجير.
بهذه الخطوات ستتغير العقلية الفاشلة والمريضة لؤلئك اللذين يرون فى مهنة الزراعة معرة كما كنا مع مهنة الصيد والبحر. للأسف يفضل أحدنا أن يكون منقبا عن الذهب في صحراء قاحلة ومخاطرة تشبه المغامرة على أن يكون مزارعا حتى ولو عاد بكل أخفاف حنين (صفر اليدين).
لو أنفقنا الأموال التى أنفقت فى التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى فى الزراعة لأكلنا من فوقنا ومن تحتنا، وصدرنا للدول المجاورة وقضينا على البطالة.
إن أزمة كوفيد 19 العالمية كشفت الستار عن تأخرنا الكبير في مجال الزراعة حيث كان الهاجس الأكبر متعلق بالتخوف من وقف الدول التى نعتمد عليها صادراتها إلينا.
لقد أكدت الحكومة في حديثها عن حزمة ألإجراءات التى أعلنت عنها لمواجهة أزمة كورونا وتأثيراتها وضع إستراتيجية لما بعد الأزمة الصحية وأرى أنها يجب أن تبدأ بموضوع الزراعة.
إن الصحة لا تضمن بالأدوية والمستشفيات بل بما نزرع وما نطبخ وما نأكل.
واهم مجتمع ينتظر البترول والغاز والذهب ليبني دولة متقدمة وغنية وقوية.
إن الثروة الحقيقية للمجتمعات هي العمل والعمل والعمل وتحويل كل ما فوق أرض الوطن إلى طاقات حية بما فيها الإنسان.
ومن الضروري أن نستحضر كل خريف مقولة الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله : 《 نحن قوم إذا مطرنا لم نعد بحاجة للمساعدة أو الإغاثة 》
حفظ الله بلادنا آمنة مستقرة