ضمن سعيها لإنارة الرأي العام، حول التعريف بالمجالس الجهوية، باعتبارها مرحلة متقدمة من سياسة اللامركزية، وأهميتها التنموية في التحسين من ظروف المناطق الداخلية، تواصل "السفير" لقاءاتها برؤساء الجهات، لتحطً الرحال ـ هذه المرة ـ في ولاية لعصابة، وتحاور رئيس جهتها، المهندس: محمد محمود ولد الحبيب.
تعرض رئيس جهة لعصابة في حديثة لـ"السفير"، عن مجموعة من المواضيع ذات الصلة بتنمية الولاية وخصائصها الجغرافية والطبيعية، مع لفت الانتباه إلى المراحل المهمة التي قطها المجلس الجهوي، رغم التحديات التي واجهتهم وهم في طور التأسيس، والإجراءات القانونية التي أعاقت عملية نقل الصلاحيات، كما استعرض أهم المراحل التي قطعتها البلاد خلال سنة من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
نص المقابلة:
سؤال: ما أهمية المجلس الجهوي بالنسبة للعصابة خصوصاً، وهل سيكون باعتقادك رافعة اقتصادية للولاية؟
جواب:
في البداية أشكر صحيفة السفير، على اهتمامها بالشأن العام، وبمسار الجهات خصوصاً بهدف إنارة المواطنين حول هذه التجربة الفريدة، والتي تستحق الاهتمام لما يعول عليها من أدوار سبيلا إلى تحقيق تنمية جهوية شاملة؛
وبصفة عامة تعتبر "المجالس الجهوية" أحد أبرز التوجهات التنموية لتعزيز الديمقراطية القاعدية، من حيث إشراك أكثر فاعلية لسكان المناطق الداخلية ممثلة بمجالس جهوية منتخبة للإشراف على إعداد وتنفيذ السياسات التنموية الجهوية، بغية وضع تصورات واستيراتيجيات فعًالة تساير السياسة التنموية للبلد، وتجسد، لا مركزية الإدارة من خلال الاهتمام بالتنمية المحلية، لكل ولاية على حدة.
وبالنسبة للعصابة، فهي ولاية تكتسي أهمية كبيرة ومن الطبيعي أن تحظى بسياسة محلية مختلفة، ذلك أنها تتمتع بمميزات خاصة، لعلً من أبرزها الخصوصية الطبيعة لما تحويه من تضاريس متنوعة، وموقع جغرافي جعلها قلب الوطن وهمزة الوصل، بين العديد من ولاياته.
ومما يعزز خصوصية الولاية، كذلك هو (التنوع الثقافي) الذي جعل من لعصابة صورة مصغرة لموريتانيا تضم كافة النسيج الاجتماعي كما ظلت مثالا يحتذى في التعايش والوئام بين مختلف مكونات المجتمع.
وبما أن لعصابة تعدٌ ثاني أفقر ولايات الوطن، بحسب آخر تقارير المكتب الوطني للإحصاء، على الرغم من الموارد الاقتصادية الهائلة، والكم السكاني المعتبر، فإن رؤية المجلس الجهوي في هذا المجال واضحة تتمثل في إعداد برنامج طموح، يضع في الحسبان الأوضاع الصعبة للولاية ويحاول ما أمكن سدً النواقص والثغرات تمهيدا لإحداث ثورة تنموية في غضون سنوات قليلة..
ونعتقد أن الأرضية مهيأة لتحقيق تلك الأهداف، ذلك أن الأنشطة التنموية التي يمارسها السكان في الزراعة والرًعي، والحركة التجارية لأسواقها التي تزود مناطق عديدة من البلاد بالبضائع المختلفة، هذا بالإضافة إلى استحواذ مدينة كيفه على الرتبة الثانية من حيث الكم السكاني بعد العاصمة نواكشوط.
وعلى ضوء ذلك فقد حصلت لديً قناعة تامة بأن المجلس الجهوي سيلعب دورا محوريا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأزداد هذا الطموح بعد أن نَويتُ الترشح للمنصب، وأعددت برنامج انتخابي يرتكز على العديد من التدخلات تؤسس في مجملها لتنمية شاملة للولاية، ليقرً المجلس بعد انتخابه خطة عمل تقوم على أربع محاور أساسية هي:
ـ عصرنة وتطوير التعليم،
ـ تعميم الخدمات الصحية ذات الجودة العالية،
ـ الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية،
ـ الاهتمام بالفئات الأكثر هشاشة.
سؤال: برأيكم هل تعدٌ اللامركزية خيار تنموي فعًال وكيف تقيمون تجارب دول المنطقة؟
جواب:
اللامركزية خيار يفرضه واقع وآفاق التنمية المحلية، وأثبتت نجاعته التجارب في شبه المنطقة، ولعلً ما نعيشه من نقص في هذا المجال، راجع من بين أمور أخرى، إلى عدم فاعلية وتفعيل المجالس المحلية،
ومن المعلوم أن "الجهات" عانت من عدة اختلالات، منذ النشأة طالت جميع المجالات بما فيها الطرح السياسي، بحيث ظلً التنظير لخلق المجالس الجهوية يقوم على أساس أنها جاءت لتحلً محلً مجلس الشيوخ، وإن كانت لا تربطهما أية صلة، فهيئتان لا تنتميان إلا نفس السلطة ذلك أن مجلس الشيوخ سلطة تشريعية، بينما تعتبر المجالس الجهوية جزء من الجهاز التنفيذي يعنى بالتنمية الجهوية.
سؤال: كيف تفصلون مجال الصلاحيات بين البلديات والمجالس الجهوية؟
جواب:
اعتقد جازماً أن القانون صريح بهذا الخصوص، ولم يترك المجال للتأويل خصوصا فيما يتعلق بتداخل الصلاحيات الذي يتحدث عنه البعض، ففي مجال التعليم، يقتصر مجال صلاحيات البلديات على التعليم الأساسي ومرحلة ما قبل التعليم (رياض الأطفال..)، فيما تعنى المجالس الجهوية بالتعليم الثانوي والتقني والتكوين المهني، وفي الصحة، فإن المستشفيات الجهوية والمراكز الصحية والسياسات الجهوية للصحة، من اختصاص الجهة، بينما تشمل صلاحيات البلديات النقاط الصحية.
والفكرة الأساسية، هي أن المشرًع ذهب إلى منح المجالات التي تتعدى حدود البلديات للمجالس الجهوية أي أنها (مفهوم تنموي أشمل)، وجميع صلاحياتها حددت في القانون العضوي 10/2018 الذي حدد صلاحياتها في قسمين، صلاحيات ذاتية وصلاحيات منقولة. وهنا ألفت انتباه القراء الكرام، إلى أننا في المجالس الجهوية نسهر على إعداد مخططات ودراسات في مجال اختصاصنا، بالتشاور مع القطاعات المعنية.
سؤال: بعد نقل الصلاحيات، متى ستكون الانطلاقة الفعلية للمجالس الجهوية؟
جواب:
فعلاً تم تشكيل لجنة وزارية مكلفة بنقل الصلاحيات تدريجيا، إلى المجالس الجهوية، وستقتصر عملية نقل الصلاحيات في المرحلة الأولى، على قطاعات التعليم، الصحة والبيئة.
وفي اعتقادي أن أنشطة المجالس الجهوية قد انطلقت بالفعل، وبالنسبة لجهة لعصابة فقد واكبنا، جميع الفاعليات وكنا حاضرين إلى جانب المواطنين كلما دعت الحاجة، منذ تنصيب المجلس، وعلى الرغم من شح الموارد وإكراهات النشأة، لكن المجلس الجهوي لولاية لعصابة ظلً حاضرا وقريبا من المواطنين..
وفي هذا الإطار قدًمنا عديد المساعدات لصالح المواطنين الأكثر هشاشة، خصوصاً في الظرفية الخاصة التي أعقبت ظهور وباء كورونا، وباعتبار أن عاصمة الولاية أخذت اكبر نسبة إصابات بعد العاصمة انواكشوط، فقد نظمنا عدة أنشطة تحسيسية حول الوقاية من الوباء، وقمنا بالتكفل بعائلات المصابين، من الفئات الهشة خصوصا من مرضى الفشل الكلوي، الذي انتقل الفيروس إلى أغلبهم.
كما تم توزيع سلاًت غذائية ومبالغ مالية، على بعض السكان من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقدمنا لبعض التعاونيات النسوية مساعدات تمثلت في آلات خياطة، إسهامنا في توفير "الكمامات" الواقية من الفيروس.
وقبل الجائحة لم يفت على المجلس مواكبة السنة الدراسية، من خلال توزيع الحقائب المدرسية على التلاميذ في المناطق الفقيرة بالولاية، وتم قبل ذلك ترميم بعض الثانويات في إطار التحضير للافتتاح الدراسي.
سؤال: كيف تقيًمون تعاطي النظام الجديد مع المجالس الجهوية وهل شرعت السلطات فعلاً في بناء المقرات؟
جواب:
رغم الاختلالات آنفة الذكر، التي شابت مرحلة تأسيس المجالس الجهوية، فإن النظام الجديد يسعى جاهداً إلى تصحيح مسار الجهات، وهذا ما جسده الدفع المعنوي الكبير الذي تلقيناه من لدن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي حمل معه مؤشرات إيجابية لتفعيل مجالسنا الجهوية، وتمكينها من لعب دورها كاملاً، وعززه فخامة الرئيس بإسناد مناصب مهمة لرؤساء الجهات أثناء الحملة الرئاسية.
وبدورها كانت الحكومة على قدر المسؤولية والديناميكية اللازمة في استكمال إجراءات نقل الصلاحيات من خلال تبني الاستيراتيجيات والخطط الفنية التي قدمتها المجالس الجهوية، وكذلك تشجيع الشركاء والممولين الدوليين على التعاطي معنا، وهذا ما تجلى في حديث فخامة رئيس الجمهوية، في أكثر من مناسبة عن المجالس الجهوية وتأكيده على أنها "خيار استيراتيجي لا رجعة فيه".
كما أوصى فخامة الرئيس؛ بتصحيح جميع الإختلالات التنظيمة والمتعلقة أساسا بنقل الصلاحيات وتوفير الإمكانيات، بغية قيام المجالس الجهوية على أساس صلب يمكنها من الشروع في عملها دون عوائق تذكر، على الرغم من خصوصية السنة المًالية وما اعتراها من أزمات لعلً من أبرزها جائحة كوفيد19 التي عصفت بالمنظومة الاقتصادية العالمية وأثرت طبعاً على أولويات الحكومة، لكن بفضل الله وقوته وبعزيمة السلطات الإدارية والصحية تغلبنا على هذا الوباء الفتًاك.
من ناحية أخرى، فإن الشروع في بناء مقار للجهات بدأ بالفعل، وتقدمت فيها الأشغال في وقت مزامن، فجميع مقرات المجالس الجهوية الآن قيد البناء وهذا أمر مهم، يُعطي انطباعا إيجابيا عن الإرادة السياسية القوية في توفير المستلزمات الضرورية للشروع الفعلي في تنمية الولايات..
نحن الآن بصدد اكتتاب الموظفين وسننطلق بحول الله وقوته، في تجسيد برامجنا الانتخابية التي لاشك أنها لامست حياة المواطنين وأعطتهم الأمل في تغيير واقعهم، وهذا ما جئنا لتحقيقه أصلاً.
سؤال: ما هي ابرز ملامح التغيير من خلال تقييمكم لأول سنة من حكم الرئيس غزواني؟
جواب:
ملامح التغيير بادية للعيان، ونحن نطفئ الشمعة الأولى لحكم جديد، أسس لجو من الانفتاح السياسي، والإجماع الوطني الذي ربما يكون الأول في تاريخ الأمة، بحيث تكرًست ثقافة التعاطي الإيجابي مع كافة الطيف السياسي، وتم الاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم حول القضايا الوطنية الكبرى..
كانت سنة مثمرة، رغم العوائق الكثيرة والمتشعبة، أُسس خلالها لمناخ سياسي هادئ ووجدت أرضية خصبة لتقاسم هموم الوطن ومعاناة مواطنيه؛ أصبحنا اليوم نعي جميعا أن هنالك عمل كبير قيم به في ظرفية وجيزة، يقوم على التأسيس لقداسة المال العام والصرامة في محاربة الفساد والفاسدين، وتحققت آلية فصل السلطات التي كنا ننشدها، والأهم من هذا كله، هو عودة هيبة الدولة.
وأعتقد أن جوً المصالحة مع الذات الذي نعيشه اليوم، وتقديم المصالح العليا للبلد على المصالح الشخصية الضيقة، والسعي إلى تمكين الموريتانيين من المساهمة في مشروع وطني جامع لا يقصي أحداً ولا يقلل من شأنه، أمور من بين أخرى، ستمكن من قيادة سفينة التنمية والاستقرار نحو بناء مجتمع متكامل يعيش في محبة ووئام.
وسيكون الطريق سالكاً لإحداث ثورة اقتصادية تصبح مثالا يحتذى في شبه المنطقة والعالم،.. فما نحن بحاجة إليه هو التسيير المعقل لثروات البلد وتفعيل القوانين والنظم، وكل المؤشرات في اعتقادي تدلٌ على أننا في الطريق الصحيح.
حاوره: سيدي محمد صمب باي
عدد السفير، رقم: 1171 الصادر الاربعاء 12 اغسطس 2020