اظهر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، خلال مؤتمره الصحفي، ثقة كبيرة بنفسه وتناقضاً لا تخطئه العين، وهو يضع كل الأحداث التي أعقبت خروجه من السلطة في خانة تصفية الحسابات معه، لا أكثر ولا أقل، مستهزئا ـ في ذات الوقت ـ بلجنة التحقيق البرلمانية وبتقريرها الذي يتهمُ عشرية بالفساد الذي عمّ البر والبحر والجو.
أراد ولد عبد العزيز أن يزجّ بخصومه السياسيين ومن يقول إنه كان سببا في إبعادهم عن المشهد لفسادهم، غير أنهم عادوا من الباب الواسع منذ وصول خلفه لسدة الحكم، وهو ما كان يريدُ ولد عبد العزيز تفاديه بالنسبة للحزب لكنه فشل في مسعاه وانسحب بهدوء، حسب وصفه.
كانت رسائل عزيز المشفرة واضحة والتي كان أهمها محاولة توريط صديق دربه في بعض الملفات باعتباره شريكاً له في كل شيء وهو ما حاول الإشارة إليه في قضية عمًار اليمني، وتسليم السًنوسي وسيارات القمة العربية، بيدَ أنه لم يعطي أية تفاصيل غير الاتهامات المبطّنة وكأنه يوهمُ الرأي العام بحيازة ملفات "مثيرة" لا يريد استخدامها إلا عند الضرورة القصوى.
لم يذكر عزيز الرئيس الحالي بسوء، وتجنب الإشارة إليه أكثر من مرة، واستطاع كذلك أن لا يلقيّ باللائمة على معاونيه واصفاً حكوماته المتعاقبة بالجدية والتفاني في العمل، ومواكبته لتفاصيل كل الصفقات التي أبرمت في عهده، بل ورفض بعضها إن تبيّن أنها لا تخدم الصالح العام، مشدداً على أنه في كامل ارتياحه بعد أن خدم بلده بإخلاص وصدق نية..
حمل حديثه عن صفقة "السنوسي" ثقة كبيرة عندما ألبسها شرعية استشارة مجلس الفتوى والمظالم ومصالح البلدين الشقيقين، وكان أكثر ثقة ووضوحا بشأن سيارات الدولة التي قال إنه تركها بحوزة القطاع الوصي والتي تجاوزت 300 سيارة بينهم هدايا الإمارات وسلطة عُمان.
حاول عزيز أن يطعنَ في غياب هيبة الدولة وسرية الإجراءات، وهو يسخرَ من تسريب عناصر الشرطة لأملاك عائلته عبر وسائط التواصل الاجتماعي، خصوصا وأنه لا تزال الأمور مجرد اتهامات بلبوس انتقائي واستهداف مباشر لشخصه ومحيطه العائلي.
لم يُجب عزيز على السؤال الكبير: من أين لك هذا؟ بل رفض بوضوح الخوض في مصادر ثروته الهائلة مع الإشارة إلى أنه لا يوجد من بإمكانه اليوم أن يكشف حصوله على أوقية واحدة من مال الشعب الموريتاني أو استخدام نفوذه في أية صفقة تدّر عليه بالمال لا داخليا ولا خارجيا..!
ولعلّ أهم رسائل عزيز المشفرة هو نفيه القاطع لمحاولة تصفية الرئيس الحالي، أو محاولة قلب نظام الحكم، مستخدما تحدّيه المعهود بالقول أنه لم يشارك قطٌ في محاولة انقلاب بل نجح عندما أراد ذلك، وإن "كنت أريد السلطة لانقلبت على الدستور و لباركتموه جميعاً"..
تهكّم كثيرا على خلفه وقال أن النظام الحالي لم يقدم خلال سنة شيء للبلد، بل كان تركيزه على شخصي من خلال تجنيد مدونين وكتاب لإطلاق إشاعات ضدي وتشويه سمعتي لا شيء غير ذلك.
تحدًث في حركة ذكيّة عن ثقته في القضاء الموريتاني، لكنه سخر من تجنيد الدولة لـ 60 محاميا في أشياء تافهة وهي ليست سوى تبديد لمال الشعب، كما كان الحال مع تعاقد اللجنة البرلمانية مع مكاتب أجنبية.
خلصَ الرجل إلى نعتِ نظام غزواني بالضعف، والفشل في إدارة الأزمات (وباء كورونا) وإضاعة الوقت في تصفية الحسابات الضيقة، ملمحاً إلى اختطاف القرار من طرف حركات مدعومة خارجيا (الإخوان) وشخصيات تضررت من عشريته وضيقَ عليها الخناق لكنها اليوم خرجت من جحورها بهدف الانتقام، قبل أن يشير إلى أنه كان إيجابياً فضح مواقف البعض وكشفهم أمام الرأي العام.