حظيت نظرية صموئيل هنتغتون حول صراع الحضارات باهتمام واسع من طرف الباحثين والأكاديميين ورجال السياسة والإعلام على الصعيد العالمي، كما شغلت قضية صدام الحضارات المنظمات الإقليمية والدولية ومعاهد ومراكز البحث والدراسات الاستراتيجية والسياسية ، فتشكل تيار قوي ما فتأ يتنامى على الصعيد الدولي ويسعى إلى تعزيز أطروحة مفادها أن الخيار البديل لصدام الحضارات هو أن تتفاعل الحضارات الإنسانية مع بعضها بعضا بما يعود على الإنسان والبشرية جمعاء بالخير والفائدة.
وتعد رابطة العالم الإسلامي من أبرزممثلي هذا التيار اليوم داخل العالم الإسلامي وعلى الصعيد الدولي حيث من بين أهدافها العناية بالتواصل الحضاري ونشر ثقافة الحوار.ومنذ أن عين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أمينا عاما للرابطة، أولى عناية فائقة لتعزيز التعايش المجتمعي باعتباره أحد أعم أعمدة الوئام الإنساني، وأطلق مبادرات متنوعة في هذا الشأن حول العالم انطلاقا من مفهوم متكامل ومتوازن للحوار بين الحضارات و الثقافات و بين أتباع الأديان. وتستند الرابطة في رؤيتها إلى المفهوم الإسلامي لحوار الحضارات والذي يؤكد على حتمية الحوار من جهة، وعلى أن الحضارات ليست متصارعة فيما بينها بل مسالمة ومتكاملة ومتفاعلة . كما تستلهم الرابطة في هذا المجال توجهات وثيقة مكة المكرمة التي صدرت عن المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة في مايو 2019 حـول (قيم الوسطية والاعتدال في نصوص القرآن والسنة)، والتي أكدت أن المسلمين " جزء من هذا العالم بتفاعله الحضاري، يسعون للتواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية ، وتعزيزقيمها النبيلة ، وبناء جسور المحبة والوئام الإنساني ، والتصدي لممارسات الظلم والصدام الحضاري وسلبيات الكراهية " كما اعتبرت " الحوار الحضاري أفضل السبل إلى التفاهم السوي مع الآخر ، والتعرف على المشتركات معه ، وتجاوز معوقات التعايش ، والتغلب على المشكلات ذوات الصلة " بل أكدت أن " أطروحة الصراع الحضاري والدعوة للصدام والتخويف من الآخر مظهر من مظاهر العزلة ، والاستعلاء المتولد عن النزعة العنصرية ، والهيمنة الثقافية السلبية ، والانغلاق على الذات " ، وأن "الصراع والصدام يعمل على تجذير الكراهية، واستنبات العداء بين الأمم والشعوب، ويحول دون تحقيق مطلب العيش المشترك "
ومن خلال أنشطتها العلمية - الأكاديمية والإغاثية -الخيرية، سعت الرابطة إلى فضح تناقضات نظرية الصدام الحضاري التي تدعي أن الحضارة الإسلامية هي المرشحة للتصادم مع الغرب، وعدم قابلية تعايش الإسلام مع الحضارات الأخرى. وفي مناسبات عديدة صرح الأمين العام للرابطة بأن الحوار هو خير وسيلة لضمان التعايش السلمي بين الشعوب وإزالة أسباب سوء الفهم وتشويه صورة الآخر وثقافته وحضارته. كما بذل وما زال يبذل جهودا كبيرة من أجل أقناع الرأي العام الدولي بأن الحوار بين الحضارات يتطلب التعايش بين البشر.وخلال جولاته الأوروبية والامريكية والاسيوية ظل يؤكد بأن الحوار بين الحضارات يتحقق من خلال الاعتراف بوجود الآخر المختلف وباحترام حقه ليس فقط في تبني رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف، وإنما احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي أو الموقف أو الاجتهاد. وقد يكون الآخر فردا أو جماعة، وقد يكون كتابيا أو كافرا.
ومن بين تلك الأنشطة المؤتمر الدولي الذي عقدته في نيويورك تحت عنوان (التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي)، وشاركت فيه الأمم المتحدة وحضره علماء ومفكرون يمثلون دولا وعددا من المؤسسات الفكرية والثقافية الإسلامية والأمريكية. وقد أوضح الدكتور العيسى أن للتواصل الحضاري بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة تاريخاً ممتداً في التبادل والتعاون الإنساني والمعرفي والاقتصادي والسياسي، وان هذه العلاقة الحضارية المتميزة كشفت الخطأ الفادح لنظرية صدام الحضارات المبنية على إثارة نعرة الكراهية والعنصرية ونصب حواجز وهمية ربما كانت في بعض أطروحاتها حادة جداً حتى على القواسم المشتركة والتبادل المعرفي والإنساني. كما شارك معالي الأمين العام للرابطة في أعمال المؤتمرالدولي الذي عقد في مقر البرلمان الأوروبي بمدينة بروكسيل حول موضوع ( الإسلام في أوربا والإسلاموفوبيا) ، حيث أكد بأن التسليم الإيجابي بالفروق الطبيعية بين الحضارات يُفضي إلى الإيمان بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية، وأن الصراع الحضاري حرم الإنسانية التعاون والتعايش. ويستنتج من بيانات رابطة العالم الإسلامي وإعلاناتها وتوصيات مؤتمراتها وتصريحات وخطب أمينها العام أن الحواربين الحضارات يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدل ونبذ التعصب والكراهية، وأن يكون حوارا متحضراً، ومترفعاً عن الموضوعات التي هي مثار اختلافات دائمة .
بقلم : المحجوب بن سعيد
باحث في علوم الاتصال والحوار الثقافي/ المغرب