دلالات وإشارات عديدة حملها الاتصال الهاتفي لوزير الخارجية الفرنسية السيد جان ايف لودريان مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين ، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، ولقاؤه في جدة مع السيدة إيمليا لاكرافي،عضومجلس النواب الفرنسي بحضور السفير والقنصل الفرنسي في المملكة العربية السعودية . وتؤكد هذه اللقاءات أن رابطة العالم الإسلامي تمثل اليوم باستحقاق و جذارة ) الضمير الحي للمسلمين ومنارة الاعتدال الإسلامي) ، كما تؤكد اقتناع الحكومة الفرنسية بأن الأمين العام للرابطة من أبرز القيادات الدينية في العالم الإسلامي وغير الإسلامي ,وأ كثرها انفتاحا ووثوقية بفضل مواقفه القوية ضد الفكرالمتطرف، ودعوته الصادقة للحوار بين الثقافات والتعايش بين أتباع الأديان والتصدي للكراهية وتعزيز السلام ، ووقوفه في وجه الجهات التي تتاجر بقضايا المسلمين في المجتمعات الغربية وترفع شعارات دار الكفر ودار الإيمان ، وتنشر الفتنة والهلع والخوف والتطرف والغلو مما يسيئ لصورة الإسلام وللمسلمين .
إن فهم أبعاد ودلالات هذه اللقاءات بين الأمين العام للرابطة و المسؤولين الفرنسيين يقتضي استحضار المحطات والوقائع التالية :
في مارس 2017 شارك الأمين العام للرابطة في مؤتمر دولي حول "مستقبل الإسلام والإسلاموفوبيا في أوروبا"، استضافه البرلمان الأوروبي في بروكسل، وألقى كلمة تاريخية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر نبه فيها إلى أنه من الخطا الفادح وصف الإرهاب المحسوب على الإسلام بـ"الإرهاب الإسلامي" لأنه يحمل في مضامينه إثارة مشاعر المسلمين، كما طلب من المسلمين عموماً ومن الجاليات المسلمة خصوصا بأن يترجموا بسلوكهم الأخلاقي ووعيهم الحضاري القيم العليا في الإسلام من المحبة والعدل والتسامح والتعاون والتعايش مع الجميع.
في سبتمبر 2019 نظمت رابطة العالم الإسلامي "المؤتمر الدولي للسلام والتضامن" بالتعاون مع مؤسسة إسلام فرنسا حضره عدد كبير من دولي كبير من القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين واليهود في فرنسا. وأكد المؤتمرون على أهمية التصدي للأفكار الرامية لزعزعة السلم الأهلي واستهداف بنيان المجتمع الواحد عبر إثارة النعرات العرقية والتمييزية، وحماية مبادئ المساواة العادلة بين الجميع ودعم مبادئ الأخوة والعيش المشترك. وتم في هذه المناسبة توقيع اتفاقية باريس للعائلة الإبراهيمية التي تدعو إلى توطيد العلاقات البينية، والرفع من مستوى التفاهم المتبادل بين اليهود والمسيحيين والمسلمين في فرنسا باستقلال تام عن أي توجهات أو أهداف تخرج عن إطار قيم الاتفاقية..
في تفاعل مع تصريحات الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون حول الإسلام والمسلمين في فرنسا التي أثارت جدلا واسعا تراوح بين الرفض والـتأييد ، نهج الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أسلوب الحكمة، عملا بقوله تعالى ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، حيث صرح بأن الإسلام دين قوي ، وأن وجوده كرسالة ربانية لا تتزعزع أبدا لا بقول ولا بغيره. كما أشار إلى خطورة الصراع والصدام الحضاري ، ودعا إلى احترام دساتير وقوانين وثقافة البلدان سواء كان المسلم يحمل جنسيتها أو مقيما على أراضيها .
نشرت أسبوعية “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية في عددها الصادر يوم 22 نوفمبر 2020 ، نص الحوار الصحافي الذي أجرته مع الأمين العام للرابطة والذي أكد فيه على أنه يجب على المسلمين في فرنسا الخضوع لقوانين الجمهورية ، وأوضح أن المتطرف الذي ارتكب جريمة قتل الأستاذ الفرنسي لا يمثل الإسلام إطلاقا، بل هو حامل لأيديولوجية إرهابية حرضته على ارتكاب هذه الجريمة فأساء إلى صورة الإسلام.
إذن ليس مستغربا أن تحظى الرابطة وأمينها العام بثقة متزايدة من المجتمع الدولي ، وبتقدير من الحكومات داخل العالم الإسلامي وخارجه ، وباحترام واستعداد للتعاون معها من طرف المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالحوار بين الثقافات والتعايش بين أتباع الأديان وترسيخ قيم التسامح والوئام والمحبة والسلام.