جرت مراسيم الاحتفال بهذه المناسبة تحت المظلات المثبتة بجانب القصر الرئاسي الحالي والتي هي الآم مقر الوثائق الوطنية.
توافد المواطنون من كل حد وصوب منذ ساعات الصباح الباكر وحتى منتصف الليل من السابع والعشرين نوفمبر حينها وقف "سيد المختار ولد يحي انجاي" أمام الميكرفون بصفته رئيسا للبرلمان وألقى كلمة مرتجلة ومقتضبة ضمنها مشاعره وغبطته بالحرية معلنا الاستقلال ودعا في نهاية كلمته المختار بن داداه للصعود أعلى المنصة بصفته رئيس الحكومة ليوجه خطاب الحرية إلى الأمة.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أنوه بالدور البارز والمتكامل الذي لعبه الرجلان في سبيل الاستقلال ومواكبتهما التطورات التي أدت إليه.
لقد لعب "سيد المختار" من خلال مشاركته الفاعلة في مجالس النواب الأفارقة دورا أساسيا حيث عبأ هؤلاء النواب ضد الأطماع المغربية فاعترفوا بموريتانيا وكانوا سندا لها وظلوا يدافعون عنها في المحافل الدولية.
كان يتمتع كبرلماني فرنسي سابق بثقة عالية لدى كافة المسؤولين الفرنسيين وخاصة "ديكول" كما مكنه القبول الذي يحظى به على الصعيد المحلي من أن يترأس أول برلمان وطني، وقد وظف بحكمة كافة قواه لتحقيق الاستقلال وكان قد وقف مع صديقه المختار بن داداه قبل الاستقلال حين دعمه من أجل تحقيق الفوز في كل من أطار وأبي تلميت اللذين ترشح منهما. وكنت قد اكتشفت منذ سنة 1954 عمق ارتباط الرجلين الذي كان يتجاوز التحالف المرحلي أو التقارب الإيديولوجي.
وأتذكر أني ذات يوم كنت مع "سيد المختار ولد يحي انجاي" في داكار حين فاجأني على مائدة غداء أقامها على شرفنا يحي ولد بعمات، فاجأني بأنه ينتظر ضيفا عزيزا عليه يريد أن يستقبله في المطار وطلب مني مرافقته إليه، ولما حان وقت مقدمه ركبنا سيارة من نوع "D.S" ومررنا بالسوق واقتنى منها أزهى الألبسة ثم اتجهنا إلى المطار.
وحين وصلت الطائرة تركني في السيارة وتوجه إليها. بعد قليل إذا هما يخرجان متعانقان "سيد المختار والمختار" وانطلقنا نحن الثلاثة إلى دار "يحيى بن بعمات" لقضاء بعض الوقت.
بعد العشاء توجهنا إلى مقر إقامة المختار في الفندق، وقد تبنيت من خلال الساعات التي قضيتها معهما عمق الصلة التي تربط بين الرجلين تلك الصلة التي سهلت دورهما المشترك في العمل السياسي من أجل الاستقلال وفي هذه الفترة كانا قد أنشآ جريدة "المرشد الموريتاني"، كان سيد المختار هو المدير الناشر والمختار رئيسا للتحرير.