فرضت ولاية الحوض الشرقي نفسها في ريادة المشهد السياسي الموريتاني منذ بواكير الانفتاح الديمقراطي الذي شهدته البلاد مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ وذلك من خلال خزانها الانتخابي الهائل من جهة، وقدرة جيل تلك الفترة من أطر الولاية وسياسييها على التحكم في توجيه مؤشرات ذاك الخزان.
هذا الواقع جعل القائمين على مركز السلطة في البلد يحصرون منصب الوزير الأول بين أطر هذه الولاية حتى عندما تغيرت موازين القوة الانتخابية لصالح ولاية الترارزة منذ الإحصاء الانتخابي الذي شهدته المرحلة الانتقالية ( 2005 / 2007).
لقد تحولت فكرة تولي شخصية من الحوض الشرقي منصب الوزير الأول إلى ما يشبه "بندا عرفيا" تقيد به كل من الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع خلال الفترة ما بين منتصف التسعينيات ونهاية حكمه (الشيخ العافية ولد محمد خونا، ومحمد الأمين ولد اكيك، و ذ. اسغير ولد امبارك)؛ وكذا الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز (د. مولاي ولد محمد لقظف، والمهندس يحيى ولد حدمين).. وإذا كان الثلاثي الأول قد نجح في الحفاظ على تماسك خزان الحوض الشرقي من الأصوات الانتخابية لصالح ولد الطائع وحزبه الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، فإن الأمر لم يكن بذات المستوى بالنسبة للثنائي ولد محمد لقظف / ولد حدمين.
بل إن أكثر المراقبين متابعة لمجريات الواقع السياسي داخل الولاية الأولى (حسب الترتيب الإداري) يعتبرون أن وريثي هذه الريادة فشلا في الحفاظ عليها؛ بل ربما أجهزا عليها من خلال تحويلها إلى حلبة صراع ثنائي يتبادلان داخلها الضربات من تحت الحزام ويعملان على إذكاء الاستقطاب المحلي حسب أجندة كل منهما وما يرى فيه السبيل الأمثل للحفاظ على مركزه ضمن الدائرة السياسية للسلطة والحزب الحاكم.
تبادل اللكمات بين طرفي صراع وريثي رئاسة الحوض الشرقي للفريق الحكومي بلغ مستويات من التسارع والاتساع أخرجتها من دائرة الحلبة المحلية والجهوية حتى وصلت لجمهور المتفرجين وسببت بعض الأذى للحكَم نفسه..
ومن هنا يرجح عدد من المحللين السياسيين أن تدفع هذه "التجاوزات" برئيس الجمهورية إلى مراجعة "البند العرفي" المتعلق بحصر منصب الوزير الأول في الحوض الشرقي، وتحويل بوصلة قيادة الحكومة نحو إحدى الولايات ذات الوزن الانتخابي المعتبر مثل لعصابة واترارزه مثلا..
وطبقا لما يثار حاليا داخل أروقة السياسة ودوائر صنع القرار فإن الرئيس ولد عبد العزيز عاكف على وضع آخر اللمسات على تغيير حكومي واسع يطيح من خلاله بالوزير الأول الحالي يحيى ولد حدمين، ويبعد غريمه مولاي ولد محمد لقظف عن القصر.. ضمن إجراءات أخرى من المتوقع أن تصب في اتجاه حلحلة الأوضاع الراهنة لضمان انطلاق حوار وطني شامل على أساس من إعادة الثقة بين السلطة والمعارضة.