فوجئ الشارع العربي بإعلان وزير الخارجية الكويتي عن التوصل لمصالحة بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر بعد قطيعة دامت ما يربو على أربع سنوات. خبر انتظرته الشعوب الخليجية ومن بعدها العربية بعد حقبة من العداء السياسي والقطيعة بين أبناء البيت الخليجي الواحد قطيعة فرقت الصف العربي إلى صفين صف يساهم في التنافر وآخر يقف على الحياد. ولم يكن يوازي مفاجئة سرعة الاتفاق سوى سرعة العداء الذي أعلنته مجتمعة ثلاث دول خليجية بالإضافة لجمهورية مصر العربية كخطوة عقابية لقطر نتيجة انتهاجها لخط سياسي مستقل عن بقية أعضاء المجلس ومحاولتها لعب دور مناوئ في السياسة الإقليمية وهو الأمر الذي لم يرق للملكة كما أن قربها من الإخوان المسلمين لم يرق بدوره للإمارات العربية المتحدة.
فقد تبنت قطر من خلال ذراعها الإعلامي المتمثل بقناة الجزيرة نغمة تتغنى بالثورات العربية وتدعوا للتمرد على الحكام. وقد شكلت تغطيتها للأحداث المصرية في العشرية المنصرمة خاصة بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي الرئيس المصري السابق والذي انتخب في أعقاب الثورة المصرية نقطة خلافية مع باقي دول مجلس التعاون ومصر.
قاطعت الدول مجتمعة دولة قطر وتم وضع عريضة من ثلاثة عشر مطلبا اعتبرت شرطا ملزما لإعادة تطبيع العلاقات.
لتمر أربع سنوات كانت الأحداث خلالها مشحونة بالتغطيات الإعلامية العدائية المتبادلة سخرت فيها الأجندات السياسية والمنابر الإعلامية المختلفة.
فهل تعتبر حركة المصالحة تلك تصالحا كليا؟
وما الذي تم الاتفاق عليه فعليا؟
وما مصير النقاط الثلاثة عشر؟
فمنذ إنشائه سنة 1981 لم يعدم مجلس التعاون الخليجي خوضه العديد من الأزمات العاصفة بدءا بالحرب العراقية الإيرانية مرورا باحتلال العراق للكويت وانتهاء بما أصبح يسمى في أدبيات السياسة بالأزمة الخليجية والتي تعتبر بدعا عن سابقاتها من الأزمات فقد صدعت العلاقات العربية وتميزت بتعديها لتشمل العلاقات بين الشعوب.
إن أكثر ما يثير الاستغراب في العلاقات البينية العربية عامة والخليجية خاصة هو آلية اتخاذ القرارات السياسية بحجم القطيعة أو شن الحروب ففي حين تخضع مثل تلك القرارات في الدول الديمقراطية لسلطة البرمان أو مجلس الشيوخ حسب طبيعة النظم الديمقراطية يتم مركزتها في يد شخص واحد في بلداننا العربية خاصة غير الديمقراطية منها وهو ما يفسر التخبط في الاندفاع نحو القطيعة والارتجالية في المصالحة. وهي آلية في العلاقات لا يمكن الجزم بها ما دامت الأمور تساس بالعاطفة السياسية وتخضع للحظات الرضى والسخط.
فالعلاقات بين الدول تتشابك فيها المصالح السياسية مع الاقتصادية والتبادلات التجارية وتنقلات الأفراد وتبنى على قواعد المعاملة بالمثل فكيف بالدول الشقيقة والتي تتشابك أكثر في روابطها الأسرية والعقدية ووحدة المصير.
إن غياب آلية عربية وخليجية لفض النزاعات في إطار الجامعة العربية أو مجلس التعاون للبت في القضايا العالقة بين الدول شكل ثغرة للتدخلات الأجنبية في الخلافات بين الأشقاء خلافات كانت الهيئات العربية المختلفة كفيلة بتسويتها دون اللجوء للغير الأجنبي خاصة أن الفرقة قد تخدم مصالح أطراف متعددة من أجل ترسيخ هيمنتها على المنطقة لاستنزاف البنية الاقتصادية لتلك البلدان ذات الميزة الطاقوية المتميزة والعمل على زيادة الشرخ بينها سبيلا للاستحواذ على قرارها السيادي.
ولعل ابتداء الأزمة مع مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واستمرارها طيلة فترة ولايته ثم انفراجها فجأت في الشهر الأخير من من حكمه وقبل أيام من مغادرته يستدعي الكثير من التساؤلات خاصة أن القمة في مدينة العلا حضرها مستشاره السياسي جاريد كوشنر.
لا يمكننا اعتبار الانفراجة الحالية في العلاقات وتبادل عبارات المودة والعناق وسيلة موثوقة لطي الخلافات فلم نشهد نقاطا محددة تم الاتفاق عليها من النقاط الثلاثة عشر سوى أن الخلاف قد طال واتفق الجميع على ضرورة حله ولم نشهد ضامنا قويا يمكن اعتماده سوى إحالة الأطراف الأمر إلى الإرادة الصادقة والنوايا الحسنة وهي آليات مرنة تخضع للمزاجية والعاطفية أكثر من كونها رباطا وثيقا ومتينا يمكن الاعتداد به.
لقد أوضحت أزمة الخليج مدى ارتباط دوله بسياسة ساكن البيت الأبيض حيث شهدنا في السنوات المنصرمة تدافعا كبيرا لعقد صفقات السلاح من أجل كسب ود وانحياز الإدارة الأمريكية أو للسلامة من قرارات الكونجرس العقابية المختلفة وهو ما يفسر المستوى الضحل الذي خلفته الأزمة على دول مجلس التعاون.
كما أن الخلاف ألقى بدوره على جوانب مختلفة في العلاقات السياسية العربية وأعاد ترتيب الأولويات لدى بعض دول المنطقة فلأول مرة منذ إنشاءها تحصل إسرائيل على تطبيع علاقات دبلوماسية كاملة مع أربع دول عربية في أقل من أربعة أشهر وهي التي تطمح لعلاقات عربية من دول في حيزها الجغرافي منذ اتفاقية وادي عربة مع الأردن منذ خمسة وعشرين عاما مستغلة وضعية استثنائية من الانقسام والتفرقة.
كما أن الأزمة خلفت اصطفافا بين محورين سعودي إماراتي مصري ومحور قطري تركي ألقى بظلاله على الكثير من القضايا العربية خاصة في الملف الليبي والذي أعاد إلى الأذهان الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي وتقسيم ألمانيا تما كما قسمت ليبيا بين حلفاء المسكرين المتخاصمين في المنطقة.
إن التقارب السعودي القطري الجديد نقطة إيجابية كان لابد من تحققها عاجلا أم آجلا باعتباره مطلبا لكافة الشعوب العربية خاصة تلك التي تأثرت من الإصطفافات التي خلقتها الأزمة. والمتتبع للطريقة التي تدار بها دول مجلس التعاون قد لا يستغرب كثيرا سرعة التوافق وارتجالية العداء والمصالحة إلا أن التساؤلات الأكيدة والتي تطرح نفسها هي، إلى أي مدى تمت تسوية الخلافات العالقة؟ وهل يمكن اعتبارها عودة سليمة للعلاقات؟ أم أنها خاضعة لحسابات الأهواء ولاتزال متانتها مرهونة بكف عفريت.