عام 1986، لم يكن يتجاوز آنذاك الطفل "روبرت كياغولاني" الخمسة أعوام، عندما تقلد الرئيس الأوغندي موسفيني الحكم إثر انقلاب عسكري قاده ضد حكومة تيتوأوكلو. كانت هذه الحكومة قد انقلبت على الرئيس المنتخب شرعياً ميلتون أوبوتي، وذلك بعد سلسلة انقلابات تلت إنهاء حكم الرئيس الأوغندي الثالث عيدي أمين عام 1979.
والآن بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً لموسفيني في الحكم تفاجئ بهذا الطفل الذي أصبح شاباً يافعاً ومغنٍّ وسياسيّ محنك أُشتهر بأسم "بوبي واين" يشبه إلى حد كبير الزعيم البوركينيالراحل توماس سانكارا، يتحداه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.وهو في طريقه إلى دورته الرئاسية السادسة ليصبح الرجل العجوز الذي يحمل البندقية في مواجهة الشاب الذي يحمل الميكرفون ويبشر بحركة شبابية تنعش الديمقراطية في افريقيا.
ربما لم يكن يتخيل موسفيني نفسه أنهسيصل إلى دورته الرئاسية السادسة بعد أن قضى ما يقارب الخمسة والثلاثين سنة في الحكم في بلد تميز قبله بكثرة الانقلابات العسكرية. هذا وقد عدل موسفيني الدستور مرتين ليقبع في حكم لؤلؤة إفريقيا كل هذا الوقت. المرة الأولى عام 2005 لمراجعة مدد الرئاسة والثانية عام 2017 ليسمح لمن تخطى الخامسة والسبعين بالترشح للرئاسة،وهو السن الذي تخطاه موسفيني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت الشهر الماضي.
موسفينيست وسبعون عاماً، بلغ من العمر ضعف عمر الشاب واين،ثمانٍ وثلاثون عاماً. ألقى نظام حكمه العتيق القبض على المرشح الشاب نوفمبر الماضي فور قبول أوراق ترشحه قبل أن تفرج السلطات عنه لاحقا.ثمّ خاض غمار الانتخابات وتسعة مرشحين آخرين في مواجهة موسفيني. وحصد نتائج مذهلة بحصوله على ما يقارب الثلاثة ملايين ونصف مليون صوت انتخابيأي ما يقارب 35% من الأصوات في الانتخابات التي نجح فيها موسفيني من الدور الأول بحصوله على ما يقارب 60% من الأصوات .
بصرف النظر عن اتهامات واين لموسفيني بالتزوير وتوقيف مراقبين انتخابين من حزبه بل وإعلانه أنه الذي فاز بالانتخابات وبفارق كبير عن موسفيني.إلا أن أساليب التزوير القديمة داخل صناديق الاقتراع اندثرت وحل بدلاً منها أساليب اللعب قبل الصندوق. وهو من وجهة نظر كثيرين تزوير ولكن بطريقة مهذبة. وذلك من خلال قطع الإنترنت والتضييق على المرشحين إعلاميا وتشويههم بكل السبل الممكنة.
كما أنه لا ينكر أحد الشعبية التي يتمتع بها العجوز موسيفينيفي العديد من المناطق حيث يعتقد انه حافظ على الاستقرار في بلد عرف تاريخياً قبل موسفيني بكثرة الاضطرابات والانقلابات العسكرية. بالإضافةإلى تحقيقه معدلات نمو جيدة بالنسبة لكثير من الدول الأفريقية.
في الحقيقة، يبدو أن العجوز موسفيني نظره لم يسعفه قبل ترشحه لولاية سادسة للنظر فوقه شمالا حيث كان يقبع قبل عامين الرئيس السوداني عمر البشير في حكم السودان لمدة ثلاثين عاما متواصلاً. ولا أعلى قليلاً قبل عقد من الزمان حيث كان يقبع الرئيس المصري حسني مبارك في حكم مصر لمدة ثلاثين عاماً أيضا قبل أن تطيح بكليهما ثورات شعبية عارمة في بلادهما. ولا غربه حيث كان يحلم الرئيس البوركيني بليز كومباوري عام 2014 أن يكمل عقده الثالث في الحكم لكن ثورة شعبية حطمت آماله بعد أن مضى سبع وعشرين عاماً في حكم بوركينافاسو.
ويبدو أيضاً انه نسي أو لم يسمع جيدًا كلمات الرئيس السنغالي الأسبق سيدار سنجور محرر السنغال وأديبها، وأول رئيس لها ومؤلف نشيدها الوطني الأسد الأحمر " الحكيم من يغادر الحكم قبل أن يغادره". وذلك بعد تركه الحكم طواعية عام 1980 قبل أربعة أعوام من انتهاء مدته الرئاسية الرابعة.
"حين تتواصل الشدائد لا بد للأشداء أن يواصلوا لاسيما حين يتحول القادة لمضللين والمعلمين لجلادين وحين تقابل حرية التعبير بالكبت والقمع ". هذه ليست خطبة سياسية ولكنها مطلع أغنية للشاب واين تبرز ما يدور في رأسه وما يحلم به . غالباً ما تتحدث أغانيه عن غياب العدالة الاجتماعية في البلاد وغياب دولة المؤسسات. فهي من وجهة نظره دولة موسفيني وعائلته .
ربما لم ينجح هذا الشاب الحالم في مسعاه في هذه الجولة، لكن كما قال صديق " في ظل الأنظمة الديكتاتورية، بعض الانتخابات لا تخاض من أجل هزيمة الديكتاتور نفسه بل بالأحرى من أجل هزيمة العقلية التي تمكنه من البقاء في السلطة . "بوبي واين لم يفز بهذه الانتخابات وربما لن يستطيع تغيير أوغندا الآن, لكنه بكل تأكيد نجح في إشعال جزوى التحدي والثورة على الوضع القائم،التغيير قادم وان طال الزمن..."