هنا كيهيدي، ودرجة الحرارة تزيد على الأربعين في هذه الساعة من الليل.
صباحَ غدٍ ستُعلن السيدة الأولى مريم فاضل، من هنا، انطلاق توسيع نطاق مشروع تمكين المرأة في الساحل (سويد) ويتحدث الساسة والرسميون هنا عن أهمية كبيرة لهذا المشروع، وعن أدوارٍ مهمة سيلعبها لصالح النساء في المناطق الفقيرة.
ليست المهمة الأولى، خارج نواكشوط، للسيدة الأولى، لكنها الأهم من حيث مجالات تدخل المشروع الذي ستُطلقه، ومن حيث نطاقُ تدخله.
فضولي كصحفي أغراني بمحاولة اكتشاف من هيّ السيدة الأولى؟ لا أتحدثُ عن معلومات السيرة الذاتية التي تحدثت عنها مجلة "جون آفريك" قبل أسابيع، وإنما عن الأدوار التي تريد منت الداه أن تلعبها في الحياة العامة، وتلك التي يتحدثُ الناسُ عنها عن بينة أو رجماً بالغيب.
فهمتُ من بعض سيدات حزب الإتحاد اللواتي حضرنَ هنا أنهنّ لم يفهمنَ بعد مزاج مريم "هيّ بشوشه وكلٌ منّا تعتقد أنها أقرب لها من الأخريات لكن هذا مجردُ تخمين" تقول قيادية في الحزب، وترى أخرى أنّهن اعتقدنَ في البداية أنها تسعى لخلق تيار نسوي موالٍ لها، وأن كثيراتٍ تحدثنَ عن قربهنّ منها "ويتأكدُ يوماً بعد يوم أنها تسعى للوقوف على مسافة واحدة منّا جميعا" على حد وصفها.
إحدى اللواتي عاصرنَ السياسة في آخر أيام حزب الشعب تقول:"كنتُ أحسبُها ستَسير على خطى مريم داداه، مع فارق النشأة، خاصة أنها مُتمدنة ومثقفة وغير مهتمة بالتجارة وبالأسواق، وكثيراً ما قلتُ لهم هذه مريم الثانية، لكنني صُدمتُ بإعراضِها عن الانخراط في السياسة خلافاً لمريم داداه التي كانت سيدة نساء الحزب والدولة آنذاك".
أيضا، من الآراء والانطباعات العفوية التي استقيتها من نقاشات السيدات هنا، ومن حوارات فردية مع بعضهن، كان الانطباع الأبرز قول إحداهنّ "نحن هنا لاستقبالها، ولا ندري هل يهمُها ذلك أم أننا أتعبنا أنفسنا فقط، وعموماً هيّ تستحق بأخلاقها على الأقل".
وتضيف "كثيراً ما قيل لنا هيّ صديقة لفُلانة ولفلانة، وسوف تُعيّنُ فلانة وفلانة، ثمّ يتضح أن ذلك مُجردُ مزاعمَ وتزوير لنفوذٍ لا تُكذّبه مريم ولا تصدّقه، أو هكذا قيلَ لنا، لكن الشواهد دائماً تُكذبُ تلك المزاعم مع الزمن".
أخرى تسألني: هل تعلم أنني تابعتها في جميع مرافقاتها لزوجها في محافل التدشين وتبادل الخطب، ولم ألاحظ أنها تُصفق مع المصفقين عند ذكر المسؤولين لاسم زوجها في خطاباتهم ؟ هل تعلم أيضًا أن خطاباتها لايردُ فيها اسم ولد الغزواني بتاتاً، ولا حتى صفة رئيس الجمهورية؟
لم أجد جواباً على السؤالين، إلا بكون زوجات رؤساء موريتانيا لم يشتهر بالخطابات منهن غير مريم داداه، وأنّ تصفيق بعضهنّ عند ذكر أسماء أزواجهن ليسَ غيباً بنظري.
واقعياً، لا تُلبي مريم فاضل أغلب الدعوات السياسية، وربما تسعى بذلك لتكريس حياد تام بين أجنحة السياسيات ونساء المجتمع المدني، ومع ذلك لم تقتنع بعضُ السيدات بعدُ بصدق هذا المسعى، حيثُ يعتقد بعضُهنّ أنّ اهتمامها بالجوانب الإنسانية والاجتماعية للمرأة والطفل يُحتمُ عليها المزيد من الانهماك في السياسة، وأنّ الأيام كفيلة بتخندق السيدة الأولى مع هذه الجماعة أوتلك.
في وصف علاقة مريم الثانية بسيدات السياسة والمجتمع المدني، يصدق بيتُ الشاعر:
وكلٌ يدعي وصلاً بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاكا