“التطهير الأمني” الذي باشرته السلطات المغربية بإقليم الصحراء منذ 14 من الشهر الجاري، وأعقبه تدخل ميداني لحركة البوليساريو، أدى إلى تدخل عناصر “المينورسو” (الأممية) العسكرية، تلاه حث الأمين العام للأمم المتحدة الطرفين على “وقف أي عمل يغير الوضع القائم”، كشف عن استمرار نواكشوط في المسك بالعصا من الوسط، وثباتها على موقف الحياد بخصوص النزاع القائم بين الرباط وجبهة البوليساريو على إقليم الصحراء.
ففي الوقت الذي أشارت فيه عدد من الصحف بدول المنطقة إلى أن هناك “نوع من التوتر بين البلدين، بسبب هذا التطهير”، والذي تزامن مع استقبال الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز الجمعة ما قبل الماضي، لقيادي بجبهة ”البوليساريو” محمد خداد”، نفى وزير الثقافة والصناعة التقليدية الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، محمد الأمين ولد الشيخ، يوم 18 من الشهر الحالي، صحة هذا التوصيف، واعتبر أن “الأمور طبيعية”مع المملكة المغربية، نافياً ما تداوله الإعلام مؤخراً من” توتر على الحدود بين البلدين، وحشد عسكري من الطرفين تحسبا لأي مواجهات”.
وشدد ولد الشيخ على أنه “لا وجود لأي شيء يلفت الانتباه مع المغرب، لا على المستوى الاقتصادي ولا على السياسي ولا على المستوى العسكري”. وقال إن “الأمور طبيعية وما تم تداوله مجرد كتابات تظهر من هنا وهناك تعبر عن رأي كاتبها فقط”.
واتضح بعد أيام أن الأمور غير الطبيعية بمنطقة الكراكرات أو ما يسمى بقندهار الصحراء ( تقع جنوب إقليم الصحراء على الحدود الموريتانية، وتصنفها الأمم المتحدة منطقة عازلة يحظر فيها أي نشاط عسكري لطرفي النزاع) ترتبط بتحركات مغربية عقبتها تعزيزات عسكرية لعناصر البوليساريو بالمنطقة.
ففجر أول أمس الإثنين، حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، المملكة المغربية وجبهة “البوليساريو” على “وقف أي عمل يمكن أن يغيّر الوضع القائم في (إقليم) الصحراء أو يؤدي إلى التصعيد بينهما”، وفق بيان صادر عنه. ودعا الأمين العام، في البيان الذي وصل الأناضول نسخة منه، الجانبين إلى “السماح لبعثة الأمم المتحدة (مينورسو) بإجراء مناقشات مع كل منهما حول الوضع الحالي في أقصى جنوب إقليم الصحراء، قرب حدود موريتانيا”، معرباً عن “القلق البالغ إزاء الوضع المتوتر في الشريط الضيق الواقع أقصى الجنوب الغربي للصحراء الغربية، بين الساتر (الجدار) الترابي المغربي والحدود الموريتانية”. وعزى بيان “بان كي مون”، التوتر الحالي بين الجانبين إلى “تغيير الوضع القائم، ونشر وحدات مسلحة من المغرب والبوليساريو على مسافة قريبة من بعضهما” مؤكدا على ضرورة “احترام نص وروح اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين (الموقع بينهما عام 1991)”.
وأعلنت السلطات المغربية، يوم 16 من الشهر الحالي ، عن استمرار قيامها بعمليات أمنية تطهيرية لمنطقة “الكركارات”، القريبة من الحدود الموريتانية، من عصابات تهريب المخدرات الصلبة، ومن التجار غير الشرعيين، حيث تم إخلاء 3 نقط تجمع لهياكل السيارات والشاحنات المستعملة، والتي ضمت أزيد من600 سيارة.
كما أعلنت الثلاثاء الماضي أنها شرعت في رصف محور طرقي بمنطقة الكركارات، قرب حدود موريتانيا، بهدف الحد من الأنشطة غير القانونية التي تعرفها المنطقة، وتسهيل العملية التجارية بين البلدين، وذلك بعد أيام من اتهامات جبهة “البوليساريو” للرباط بالقيام بتحركات عسكرية بالمنطقة.
وفي بيان صدر عن ولاية (محافظة) “جهة الداخلة-وادي الذهب” (أقصى جنوب إقليم الصحراء)، تلقت الأناضول نسخة منه، يوم الثلاثاء الماضي، أفادت بأنه “تم الشروع مؤخرا في تعبيد محور طرقي على امتداد مسافة 3,8 كلم بمنطقة الكركارات، جنوب المملكة”.
وأوضحت أن “هذا المشروع يأتي تعزيزاً للشبكة الطرقية وتلبية لتطلعات المشتغلين بقطاع التبادل التجاري، وكذا في إطار مواصلة الجهود الهادفة إلى الحد من جميع الأنشطة غير القانونية التي تعرفها المنطقة”. في الوقت الذي تعتبر البوليساريو أن تحرك المغرب جاء ليفرض واقعا جديدا بالمنطقة بخلاف ما كانت عليه سنة 1991، حين تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وترفض تبريرات الرباط، بكون عصابات التهريب استغلت وضع المنطقة الغير المحروسة أمنيا.
وقال عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (حكومي مغربي) عبد المجيد بلغزال للأناضول إن تنظيم بلاده عمليات تطهيرية بمنطقة “الكركارات” (جنوب إقليم الصحراء)، ليس له علاقة بما تم تداوله من توتر مفترض بين العلاقات بين الرباط ونواكشوط.
وأضاف بلغزال “لا أستبعد أن يكون هناك اتفاق مغربي موريتاني حول هذه العمليات التطهيرية ، فضلا عن استكمال الطريق المعبدة (المرصفة)، التي تربط البلدين لتعزيز الأمن بالمنطقة”.
وأوضح بلغزال في تصريحاته للأناضول أن هذه العملية لا يمكن ربطها بتوتر العلاقة بين البلدين، لاعتبارات عدة، من بينها أن الوضع الجيوستراتيجي المرتبط بمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة ومنافذ تمويل هذه الجماعات يحتم على البلاد باعتبارها منخرطة في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب، التدخل العاجل من أجل تطهير هذه المنطقة، خصوصا أن هذه النقطة أصبحت مركزا للتبادل والتهريب خاصة تهريب السيارات وتزوير أرقامها”.
وأضاف قائلا ” هذه النقطة أصبحت أيضا منصة لتهريب المخدرات الصلبة، القادمة من أمريكا الجنوبية والمتجهة إلى أوروبا وآسيا ومناطق أخرى عبر الصحراء والساحل، حيث تمر هذه المخدرات عبر التقاطع الحاصل بين التهريب والجماعات الإسلامية المتطرفة، باعتبارها توفر الحماية لشبكات التهريب مقابل استفادتها من أموالها، حيث تشير تقارير الاستخبارات الأمريكية أن قيمة تهريب المخدرات الصلبة تقدر ب50 مليار دولار سنويا.
وأوضح أن هذه العملية لا علاقة لها باستقبال الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز الجمعة الماضي، لقيادي بجبهة ”البوليساريو” محمد خداد”، حيث أدلى هذا الأخير عقب اللقاء بتصريحات قال فيها إن ”الكويرة أرض صحراوية، لكن الوضعية الحالية وضعية خاصة، ومسار التسوية لم ينطلق بعد”.
من جهته، قال مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض، بمدينة مراكش، إدريس الكريني للأناضول إنه “لحدود الساعة لا يمكن الحديث عن أزمة بين البلدين، ما دام لم يتم التعبير عن الأمر بشكل رسمي، بل هناك اتصالات وعلاقات رسمية بينهما”.
ولفت إلى أن بعض وسائل الإعلام تعطي لبعض الأمور أكثر مما تحتمل، إذ أن بيان بلاده بخصوص عملية التطهير كان واضحا، كما أن الأمم المتحدة اعتبرت أن هذا التحرك لم يمس باتفاق وقف إطلاق النار”.
ولفت إلى أن بلاده تهدف من خلال هذه الحملة محاصرة مختلف المخاطر التي تشكل تهديدا مثل تحركات العناصر الإرهابية، والتهريب”.
وقال الكريني إن بعض الأطراف الخارجية تحاول استغلال الإشكالات التي تعرفها المنطقة، من أجل خلق الفوضى بها، وهو ما يقتضي من بلدانها الانتباه للأمر.
ويرى الكريني أن مصلحة موريتانيا تتمثل في تعزيز علاقتها مع بلاده والحفاظ على العلاقات الايجابية مع دول المغرب العربي .
وأوضح أن موريتانيا تسعى إلى الموازنة في علاقتها مع كل من بلاده والجزائر، إلا أن بعض من ممارساتها مثل استضافة قادة البوليساريو تشوش على علاقتها مع المغرب.
وأضاف قائلا “هناك وعي لدى البلدين لتجاوز بعض الإشكالات، خصوصا أن التحديات المطروحة بالمنطقة مثل الإرهاب يجعل من التنسيق بين الدول المغاربية أمرا مستعجلا”.
وأبرز أن بلاده لا تزال تدعو إلى ضرورة فتح الحدود مع الجزائر، لأن خيار المغرب العربي خيار جد مهم بالنسبة لدول المنطقة.
”وقالت الأمم المتحدة، يوم 18 من الشهر الجاري، إنها لم تسجل أية تحركات عسكرية مشبوهة للمغرب في الصحراء، وذلك ردا على اتهامات جبهة البوليساريو للرباط بتنفيذ عملية أمنية قرب موريتانيا.
وقال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون إن البعثة الدولية تحققت من الاتهامات حول “انتهاكات” في الجزء الجنوبي الغربي من الصحراء، لكنها لم تلحظ تواجدا عسكريا أو معدات عسكرية وإنما فقط آليات مدنية تعبر الجدار الدفاعي المغربي.
وأشار حق إلى أن البعثة أبلغت البوليساريو بالنتائج الأولية لتحقيقها وأنها ستواصل تقصي الحقائق.
إلا أن دخول عناصر مسلحة من البوليساريو إلى المنطقة يوم الأحد الماضي، واقترابها من مكان تواجد القوات المغربية، بعدما نددت في رسالة بعثت بها إلى المنظمة الدولية أربعاء الأسبوع الماضي بما وصفته بعملية أمنية للقوات المغربية بالكراكارات، جعل العناصر العسكرية للمينورسو تتدخل لمراقبة الطرفين، ومدى التزامهما باتفاق وقف إطلاق النار، وجعل بان كيمون يسارع بحث الطرفين على ضبط النفس.
ويشار إلى أن المغرب نفى شهر يناير الماضي، اندلاع توتر مع موريتانيا على خلفية رفع علم موريتانيا ببلدة جنوب البلاد ، واستدعاء بلاده لديبلوماسي موريتاني.
وقال مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة المغربية، يناير الماضي بالرباط، خلال مؤتمر صحفي عقب مجلس الحكومة المغربية، ان “خبر رفع علم موريتانيا ببلدة جنوب البلاد واستدعاء بلاده لديبلوماسي موريتاني إشاعة غير صحيحة”.
وجاء هذا التصريح عقب ما تداوّلت الصحافة المغربية وبعض الصحافة الدولية أخبار تفيد ان جنود من موريتانيا رفعوا علم بلادهم ببلدة الكويرة (أقصى جنوب إقليم الصحراء).
وتشكلت بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو) بقرار مجلس الأمن رقم 690 المؤرخ 29 نيسان/أبريل 1991 وفقا لمقترحات التسوية، التي قُبلت في 30 آب/أغسطس 1988 من جانب المغرب وجبهة “البوليساريو”بعد قتال دام لأكثر من 16 سنة.
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و”البوليساريو” من جهة، وبين هذه الأخيرة وموريتانيا من جهة ثانية إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1979 مع مورتاينا، التي انسحبت من إقليم وادي الذهب (جنوب إقليم الصحراء) قبل أن تدخل إليه القوات المغربية، وتوقف مع المغرب عام 1991، بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت “البوليساريو” قيام “الجمهورية العربية الصحراوية”، عام 1976من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضواً بالأمم المتحدة، ولا بجامعة الدول العربية. وفي المقابل عمل المغرب على إقناع العديد من هذه الدول بسحب اعترافها بها في فترات لاحقة، وتسبب الاعتراف من طرف الاتحاد الأفريقي سنة 1984 إلى انسحاب الرباط من المنظمة الأفريقية. قبل أن تعلن الشهر الماضي رغبتها في العودة إلى المنظمة الإفريقية من جديد.،
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكماً ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي النازحين الفارين من الإقليم بعد استعادة المغرب لها إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.
المصدر: الأناضول