لكل أمة أيام عزها التي تسطر في دفاتر التاريخ بسواعد أبنائها وقادتها العظماء، مقوية بذلك إرثها التاريخي وإسهامها في العمل الحضاري للبشرية.
ومنذ تسلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور في البلد، وقبل ما يقارب السنتين، خطت موريتانيا خطوات جبارة على درب البناء وحماية كرامة الإنسان وإسعاد المواطنين، من خلال التنفيذ المحكم لمختلف التزاماته لشعبه، والواردة في برنامجه الانتخابي ((إن التفويض الذي منحنيه المواطنون لتسيير شؤون البلاد في المرحلة القادمة شرف عظيم لا يضاهيه سوى رغبتي الصادقة في العمل على بناء دولة قوية ومتطورة ينعم كافة مواطنيها دون تمييز بأعلى مستويات الأمن والرفاهية والرخاء))، رغم ما ميز المرحلة من منغصات، بعضها موروث بسبب سنوات من الرعونة في تسيير شؤون البلد، واستنزاف مقدراته، وبعضها جاء مع كوفيد19 الذي التهم الأخضر واليابس، ووقف في وجه مشاريع كبريات الدول والمنظمات العالمية العتيدة.
ورغم ذلك أبى القائد محمد ولد الشيخ الغزواني إلا أن يكون صادقا مع شعبه، عطوفا على أوضاعه، مؤازرا له في اللحظات الصعبة، وسندا لضعفائه عند الضيق وفي ذروة اشتداد الجائحة، ومعززا لقدرات ومصادر الدولة (وتطبيقا لهذا المشروع فإنني بأذن الله سأعمل دون كلل على تعزيز مرتكزات الدولة وإطلاق نهضة تنموية شاملة وسريعة المفعول تراعي الأولويات الاجتماعية والاقتصادية كما سأسعى إلى تطوير آليات الحكامة وتسيير الشأن العام).
لقد شكلت الإنجازات الاجتماعية في البلد خلال السنتين المنصرمتين ثورة ستذكرها الأجيال بعد الأجيال، وذلك لمستوى تغلغل الإنجازات في تفاصيل حياة الناس وملامستها لاحتياجاتهم اليومية، ومعاناتهم التي طالما رزحوا تحتها ردحا من الزمن، فكانت المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء، سابقة في تاريخ بناء الدولة للعمل الاجتماعي الرصين والمؤسس على ضوابط العلم والحكامة، من خلال برامجها الخمسة (الشيلة، البركة، داري، التكافل، أمل) ، والتي شهد الجميع على ما أنجزت الدولة عن طريقها في هذه الفترة الوجيزة، من تسهيل الولوج للخدمات القاعدية، من أجل ترقية العمل الاجتماعي وصولا إلى الاندماج الاقتصادي، وتحسينا لظروف الحياة بصفة عامة، وتعزيزا لفعالية شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الأقل دخلا تأمينا لمستقبله المعيشي.
كما أسهمت مفوضية الأمن الغذائي إلى حد كبير في تموين السوق الوطنية بالمواد الغذائية، وجسدت اهتمام سلطات البلد بالتأمين الغذائي لصالح فئة الفقراء، حيث قامت بتنفيذ العديد من البرامج المتعلقة بمكافحة سوء التغذية وتحديدا لدى أطفال الأسر الأقل دخلا، حيث فتحت مراكز تغذية جماعية في المناطق للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات وللحوامل والمرضعات اللائي تعانين من سوء تغذية حادة أو متوسطة في المناطق الأكثر هشاشة داخل البلاد.
إن تأمين 100 ألف أسرة موريتانية محدودة الدخل هو خطوة واثقة بالفعل نحو ((التأمين الصحي للجميع)) الذي بشر به فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي، كما أن إنشاء وتطوير الشبكات الاجتماعية للتأمين كانت فرصة تاريخية للوصول وبشفافية إلى المواطنين الفقراء في 36 مقاطعة من الوطن من خلال البرنامج الموسع الذي استفادت منه 82343 أسرة موريتانية، كما استفادت 6625 أسرة فقيرة سنة 2020 من تحويلات نقدية هامة، كما نفذت تحويلات نقدية لصالح 206293 أسرة متأثرة بأزمة كوفيد19 سنة 2020، و210000 أسرة فقيرة متضررة منه سنة 2021.
هذا بالإضافة إلى استفادة آلاف الأسر والفنانين المتأثرين من أزمة كوفيد19 أو المتضررين من فيضانات أو مخلفات للحجر الصحي.
وفي المجال الاقتصادي، أدت الجائحة التي عمت الأرض سنة 2020 إلى توقف النمو الاقتصادي العالمي، وإلى ركود حاد، ولكن السياسات الماكرو-اقتصادية والإصلاحات البنيوية المنفذة من قبل الحكومة في بلادنا مكنت من الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، حيث انتقلت نسبة النمو من حدود (-1.5 %) لسنة 2020 إلى ما يزيد عن (3 %) في سنة 2021 .
وتم العمل بجدية على بناء اقتصاد منتج ومتنوع يخلق مزيدا من فرص العمل والقيمة المضافة، كما تم تطوير الآليات الإدراية والخدمية والتمويلية في قطاعات الزراعة وتنمية المواشي والصيد البحري والمعادن والمحروقات، وتم وضع القوانين وتوفير الوسائل الضرورية لحماية البيئة، وتطوير البنية التحتية الداعمة للنمو، وخاصة في مجال البنية الطرقية، والإسكان والعمران، وفي مجال مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، ومجال الطاقة، والاتصالات...
كل ذلك ساعد على توفير الثقة في المستقبل بوجود مجتمع معتز بتنوعه ومتصالح مع ذاته، من خلال السياسة الجديدة والجدية لامتصاص التفاوت الناجم عن التمييز بين فئات المجتمع، ومن خلال العمل على تمكين النساء من المشاركة النشطة في العملية التنموية، والاندماج الاجتماعي والمهني من أجل المشاركة الكاملة للمعوقين وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
كما تم وضع استراتيجية للحكم الرشيد والشفافية بتوفير الحكومة لجو مناسب لاسترجاع هيبة الدولة وأموال الشعب المنهوبة، من خلال عمل اللجنة البرلمانية، وتعزيز مؤسسات الرقابة وتفعيل دورها، وبدأت الجهود لتحسين أسالب وأجهزة الإدارة والتسيير من مخلفات عيوبها، وذلك من خلال مراجعة النصوص والمعايير وتحسين طرق اختيار المسؤولين، والشفافية، والصرامة في المراقبة والتحقيق والمحاسبة والعقوبة، وبمحاربة المسلكيات والممارسات الفاسدة المترسخة، وبالفصل التام بين الشأن العام وبين الحياة والمصالح الخاصة للأشخاص.
أما على مستوى الانفتاح السياسي فقد أعلن فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد السيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي، وفي مناسبات مختلفة تصميمه على تنقية الحياة السياسية الوطنية من الشوائب ومعالجة الاختلالات المتراكمة، المهيمنة، والمعيقة لبناء دولة ديمقراطية قوية، تؤمن لمواطنيها الحرية والكرامة والرفاه.
وهكذا عمل فخامته منذ الوهلة الأولى على إشاعة مناخ سياسي ملؤه الثقة والانفتاح والمسؤولية، وتوطدت سنة التشاور بين السلطة التنفيذية وقيادات المعارضة، ممثلة بزعيم المعارضة الديمقراطية، وبقادة الأحزاب السياسية.
وفي خضم هذا الجو المفعم بالثقة تأسست منسقية الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان مزيلة غمامة من عدم التفاهم طالما حكم العلاقة بين الأغلبية والمعارضة، وأصبح التنسيق بين الكتلتين حول ما تقتضيه المصلحة الوطنية الجامعة، وما تتطلبه الظروف الاستثنائية، متجاوزة بذلك الأجندات الحزبية الخاصة.
وهكذا نشأت جبهة وطنية واسعة وقوية، مكنت من التصدي لظاهرة الفساد، عبر لجنة التحقيق البرلمانية، ومن دعم الحكومة ومؤازرتها في مواجهة جائحة كوفيد19، وانبثقت عنها منسقية لأحزاب المعارضة والأغلبية، تتولى الآن الإعداد للتشاور الوطني الشامل، المزمع تنظيمه قريبا بحول الله.
وتم اتخاذ إجراءات هامة لترسيخ الحريات العامة، عبر مراجعة النصوص الخاصة بحرية التنظيم والتعبير، وتعزيز حرية الصحافة وتطوير قدرات الإعلام العمومي، وتقوية طابعه المهني، وتحسين الخبرات في كافة مؤسساته، وتقوية البث وتوسيع شبكاته المختلفة، ومراجعة الخط التحريري، والتركيز على البرامج التنموية، وعلى التنوع الثقافي.
لقد حقق العمل الحكومي خلال السنتين المنصرمتين إنجازات تشابه المعجزات، حين نستحضر ما ورثته سلطات البلد من ترد في أوضاع المؤسسات، وتراجع في هيبة ومصداقية الدولة، وبسبب الأموال التي تم نهبها خلال عشر خلت لم يميز فيها بين الحامي والمفسد، كما أن تجاوز هذه الحكومة لكوفيد19 ومخلفاته بأقل أضرار ممكنة، جعل الإشادة بالمجهود العمومي واجب الجميع، ولا زال العمل متواصلا والنتائج تترى في سبيل تنفيذ برنامج "تعهداتي" لفخامة رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن.
إن مشاركة الطيف السياسي والمدني الوطنيين في مآزرة هذه الإنجازات واحتضانها، سيسهم بشكل كبير في استفادة المواطنين منها والبلد بصفة عامة، كما أنني أدعو كل الشركاء في العمل السياسي الوطني إلى العمل بكل جهد من أجل إنجاح عملية التشاور المزمعة، والتعاطي مع كل القضايا التي ستتم إثارتها خلالها بإيجابية ومسؤولية وفعالية.
-------------------------------
سيدي محمد ولد الطالب أعمر
رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية