يشكل اصلاح المنظومة العدلية دعامة اساسية لتوطيد الشفافية و المصداقية وبناء الديمقراطية الحقة، ولذا ليس من الغرابة أن يحظى بمكانة سامقة في تعهدات فخامة رئيس الجمهورية الذي تعهد منذ اللحظة الاولى بــ: السهر "على أن تتمتع المنظومة العدلية بكافة مقومات الاستقلال الفعلي وعلى تقريب خدماتها من المواطنين جغرافيا و إجرائيا، و برفْدها بكافة الموارد البشرية والوسائل المادية الضرورية لتصل إلى أعلى مستويات المهنية والشفافية وتكسب ثقة المتقاضين".
لقد اعطى هذا الوعد العهد أملا كبيرا للشعب الموريتاني الموقن بأنه لا أمن ولا نماء و لا سلم بدون سلطة قضائية مستقلة و فعالة.
و منذ الوهلة الاولى انصب عمل الحكومة على توطيد استقلالية القضاء وتقريبه من المواطنين وتعزيز الكفاءات الضرورية من قضاة و اعوان قضاء ، وتحسين ظروف عملهم.
وفي هذا الصدد عملت وزارة العدل على بلورة مقاربة اصلاحية تنطلق من أهداف الحكومة المرجعية التي تضمَّنها بيان السياسة العامة للحكومة،و المتمثلة في: تعزيز الاستقلالية، وتسريع الولوج للعدالة، و تكريس الضمانات الحقوقية، وجودة المخرجات.
ولتعزيز الاستقلالية عكفت الوزارة على مراجعة وتحيين النصوص المتعلقة بمهنيي القضاء لتلائم المعايير الدولية لاستقلال القضاء، و لتتم بذلك مراجعة الاحكام المتعلقة بالعاملين بالقضاء من: قضاة ومحامين وخبراء و عدول وموثقين وكتاب ضبط، و هي المراجعة التي مكنت من دعم ضمانات الاستقلالية المطلوبة وكرست جميع المعايير الدولية في هذا المجال.
بالإضافة الى مراجعة شاملة للنصوص السارية المتعلقة بقوانين الموضوع و الاجراءات و التي شملت مراجعة مدونة التجارة و الاجراءات المدنية و الإجراءات الجنائية، من أجل تشجيع اللجوء إلى الطرق البديلة لتسوية النزاعات، وضع قانون تجاري فعّال يتماشى مع المعايير الدولية و أفضل الممارسات فيما يتعلق بسجل التجارة، و قانون الشركات، و القانون المصرفي، و قانون الإجراءات الجماعية، و تطبيق التوصيات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال و مكافحة الإرهاب.
و لمواءمة هذه النصوص مع المقتضيات الدولية لحقوق الإنسان تم إلغاء المقتضيات المتعلقة بالإكراه البدني، و الغاء تجريم إصدار الشيك بدون رصيد، الذي أدى في السنوات الماضية الى ارتفاع مهول في جرائم إصدار الشيك بدون رصيد ،و افراغ الشيك من قيمته الأدائية و استغلال العنصر الجزائي المترتب على اصدار ه.
ولتتم تلك المراجعة بصورة ناجعة تم إنشاء لجنة دائمة للتقنين بالوزارة تشكلت من فنيين أكفاء أسندت لها مهمة مراقبة القوانين.
وفي المحور الخاص بترقية الولوج للعدالة، قامت الوزارة بتعزيز نظام المساعدة القضائية، بوضع كافة الآليات التنظيمية المتعلقة بتسمية اللجان الخاصة بالمساعدة القضائية، وإطلاق عملية تحسيس شامل لتوعية المواطنين، و و ضع النصوص الخاصة بالوسطاء و المصلحين.
ومن أجل تسهيل الولوج للمعلومة القانونية بسهولة فقد تمت طباعة جميع النصوص القانونية التي يتطلبها العمل القضائي (20 نص قانون) وبشكل لائق على ميزانية الدولة، بعد إدخال جميع التعديلات التي أجريت عليها، وسيتم توزيعها في شكل حقائب قضائية يستفيد منها جميع العاملين في الحقل القضائي و المهتمين بالنشر القانوني.
لقد مكنت هذه العملية من تحديث و تحيين و نشر الترسانة القانونية الوطنية. هذا بالإضافة إلى رقْمَنَة القضاء التجاري والسجل التجاري بالتعاون مع شركائنا في التنمية، وإنشاء منصة رقمية بموقع وزارة العدل خاصة بنشر النصوص القانونية المحيَّنة.
كما أسهمت سياسة القُرب التي ينتهجها القطاع في المجال السمعي البصري من خلال البرامج الإذاعية و التلفزية التي ينعشها الفنيون القضائيون حول المواضيع القضائية الملحة في تعزيز الثقافة القانونية للمواطن وبشكل ملحوظ.
و لأن جودة المخرجات رهينة بالتأهيل و التكوين الجيد للكادر العدلي فقد عمدت الوزارة الى تطبيق خطة متكاملة للتكوين المستمر ، وتنفيذ آليات التلاقي و التواصل من خلال ورشات فنية أسهمت في تعميق النقاش بين كافة الفاعلين حول القضايا الملحة، كان أخرها الورشة المتعلقة بالنزاعات العقارية و قضاء الأحداث، و هي اللقاءات التي ستنظم تباعا على مستوى الدوائر الاستئنافية و ستبلور سياسة مرجعية في هذه المجالات.
و بفضل التنفيذ الصارم لخطة القطاع الرامية الى اصلاح مؤسسات السجون ومراكز الاصلاح فقد عمد القطاع الى تحسين ظروف الاعتقال من خلال تقليص الاكتظاظ المشاهد خلال السنوات الماضية، وتشجيع إعادة التأهيل و الادماج الاجتماعي والمهني للسجناء وذلك من خلال العملية الناجحة التي شملت تأهيل 100 مدان وتكوينهم على حرف مهنية بروصو.
ولا يكابر احد اليوم على نجاعة السياسة الوقائية الصارمة التي ينتهجها القطاع خلال جائحة كوفيد 19 على مستوى المحاكم والمؤسسات السجنية و التي تجعلنا نفتخر بفضل الله بعدم تسجيل أي حالة وفاة بسبب كورونا بالفضاء العدلي او السجني او مراكز الإصلاح وهي فضاءات ذات ظروف خاصة.
لقد ظلت الصورة الذهنية للمباني العدلية في نظر الدولة غير عاكسة لهيبة القضاء بسبب اهمال ترميم و تشييد هذه المباني وهو ما تطلب الشروع الفوري في تنفيذ خطة الوزارة المتعلقة بالبُنى التحتية، وفي هذا الاطار يأتي اكتمال قصر العدل بسيلبابي وسجن إنبيكه، و الشروع في بناء قصور محاكم الولايات ومن ضمنها محكمة ولاية نواكشوط الشمالية و الجنوبية و استئنافية آلاك، ومحكمة مقاطعة الميناء، و بوتلميت ،وبرمجة جميع محاكم المقاطعات مع القطاع المعنى بالإسكان وفق خطة ثلاثية.
إن التطبيق السليم و الصارم للخطة الاستراتيجية الوطنية لولوج العدالة وفق منهجية تشاركية تؤدي إلى رسم الأولويات في مجال النفاذ إلى العدالة، وتحديد الأهداف القابلة للقياس التي يجب تحقيقها، كانت وراء ما نشهده اليوم من نجاح قطاعات تشترك مع قطاعنا في تنفيذ اهداف السياسة العامة للحكومة بتنسيق معالي الوزير الأول، و هو ما جعل تلك القطاعات الحكومية بفضل قيام القطاع العدلي بمهمته خلال السنتين المنصرمتين من مأمورية العهد و الوفاء تحقق دون عناء مكاسب كبيرة فيما يتعلق بالأمن و النماء الاقتصادي.
فبفضل المعالجات التشريعية و القضائية التي انتهجها القطاع لمحاربة الجريمة و الانحراف من خلال مراجعة المقتضيات المتعلقة بالعود الجنائي و الاعتداءات المادية و الجسدية و المقتضيات الخاصة بالأطفال المتنازعين مع القانون، و إعادة تنظيم الاحكام المتعلقة بالأسلحة النارية ذات العيار الخفيف و الأسلحة البيضاء. تحققت مقاربة الحكومة المتعلقة بالأمن و السكينة.
ولن يخفى على ذي البصيرة ان تحسين مناخ الاستثمار من خلال المراجعات التي تمت في المجال التجاري و السياسة الجنائية المتبعة من طرف النيابة العامة في مجال محاربة الفساد و غسل الاموال اليوم تشكل دافعا قويا لتقوية الاقتصاد و تشجيع المستثمرين .
لقد شكل التعديل الأخير المقدم من طرف وزارة العدل على المقتضيات المتعلقة بازدواجية الجنسية و التي ما فتئت تؤرق المواطنين المقيمين بالخارج حلا جوهريا لوضعيةً ظلت تلحق ضرر ا كبيرا بكثير من الموريتانيين الذين نجحوا نجاحا متميزا في الاندماج كمواطنين في بلدان أخرى و مرتبطين بوطنهم الأصلي ، و التي ظلت تحرم موريتانيا من الاستفادة من إسهامهم الاقتصادي و الثقافي. وبفضل هذه التعديلات سيظلون محتفظين بجنسيتهم الموريتانية، ويسهمون في إنعاش الاقتصاد الوطني، وهو ما يشكل اضافة نوعية في مجال النماء الاقتصادي و الوئام الوطني.
تلكم جهود من بين أخرى بذلت من أجل تنفيذ تعهدات رئيس الجمهورية خلال هاتين السنتين الباكُورتين من مأموريته الأولى: مأمورية العهد و الوفاء و التي يضطلع قطاع العدالة بالنصيب الاكبر منها باعتباره منصة مهمة و اساسية من منصات الاقلاع الوطني.
محمد محمود ولد الشيخ عبد الله بيَّه/ وزير العدل