تذرف الدعاية الغربية دموعَ التماسيح على حقوق المرأة الأفغانية، وتتظاهر بأنها تتأسى وتتحسر لكون هذه المرأة التي تعتبرها تلكم الدعاية أنها تحررت في عهد الاحتلال الأمريكي، ستعود إلى العبودية في عصر طالبان، ويُختصَرُ تحرير المرأة الأفغانيّة، كما يصفه الإعلام الغربي المنافق، في تبرّجها، ونزع الشّادور، وارتداء اللباس الغربي، وفي فتح بعض المحلات للحلاقة للنساء..
ولاشك في أن هذا هو التزوير الكامل للحقائق وقلبها. فعدد النساء الأفغانيات اللواتي يقع الحديث، من طرف الإعلام الغربي عن كونهن تحررن، ويتمُّ توضيبهُنَّ وإعدادُهنَّ ليظهرن شبيهات لنظيراتهن الأمريكيات، لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، إنهن، في غالبيتهن المطلقة، النساء اللواتي يفضلن التعامل مع الجنود والضباط المحتلين للبلد، وهذا الصنف من النساء وُجِدَ في جهات العالم بأسره، الجهات التي خضعت للاحتلال الأجنبي..
إنهن نساء يتم انتقاء البعض منهن، وتصويرهن، وترويج صورهن في المجلات الملونة، وفي الفضائيات، وتستخدم صورهن في الدعاية والإشهار، ويقع ذلك، على أساس أنهن تُجسِّدن حالة المرأة الأفغانية في عموم أفغانستان، والحال هو أننا أمام سيدات تؤدين وظيفة بمقابل، في حفلة علاقات عامة، تبتغي تزيين وجه الاحتلال الأمريكي القبيح.
المرأة الأفغانية التي تعكس الوضعية الحقيقية للنساء الأفغانيات، هي تلك المرأة التي تعيش في هوامش المدن، والأحياء المزدحمة السكان، وفي مدن الصفيح، وفي القرى، والبوادي والأرياف، وفي الأدغال، وترتدي الأسمال، ويطالعنا وجهها من خلف النقاب تبدو عليه واضحة علامات سوء التغذية، وتظهر فيه كل آثار الفاقة، والبؤس، والحرمان، المرأة التي لا تزال تعاني من الأمية والجهل، والتي لا يعترف لها المجتمع الذكوري، حتى بالحد الأدنى من حقوقها البسيطة، فهذا هو الواقع الفعلي للنساء الأفغانيات الذي يحاول الإعلام الغربي تزييفه، بترويجه، لواقع مختلقٍ، مخالف لحقيقته، بغية التحريف والتضليل..
وإذا جازفنا وقبلنا افتراضا أن المرأة الأفغانية قد تحررت في ظل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وصارت لها نفس الحقوق التي لنظيرتها في ألمانيا وكندا والسويد والنرويج، وكان والد هذه المرأة، أو زوجها، أو أخوها، أو ابنها، قد قُتِلَ على أيدي الجنود الأمريكان، أو أنه يوجد معتقلا في سجون الاحتلال، لأنه يرفض الاحتلال ويقاومه، فأي معنى سيكون لهذا التحرير المزعوم للمرأة الأفغانية، كيف تعيشه وتتمتع به، وأهلها كلهم محرومون منه، إما بالقتل أو السجن أو المطاردة؟
من المستحيل تجزئة التحرير في أي مجتمع من المجتمعات، بحيث تكون نساؤه متحررات، في حين يعيش رجاله عبيدا، أو تكون نساؤه عبيدات ورجاله أحرارا. التحرير إما أن يكون شاملا ويشعر ويتنعم به جميع أبناء المجتمع، رجالا ونساء، أو لا يكون، كما أنه من المسيء للمرأة الأفغانية القول بأنها تحررت من الأغلال على أيدي المحتلين.
الأمريكي الذي غزا أفغانستان واحتل أرضه وهتك عرضه، تحول إلى عدوٍّ لجميع أبناء المجتمع الأفغاني، ولن تقبل المرأة الأفغانية الشريفة والعزيزة النفس أن يقال عنها بأن حقوقها مكاسبُ أنجزها لها الغازي المحتل، فهذا قول فيه شتمٌ لها، وقدحٌ فيها، وتحقير لمكانتها الاعتبارية في مجتمعها، ولا نظن أن المرأة الأفغانية الأصيلة تقبل بذلك وترضاه لنفسها، وإنما يحقُّ لنا أن نتصور أنها كانت إلى جانب الرجل الأفغاني تقارع المحتل الأمريكي، وتعمل جاهدة معه من أجل طرد الغزاة الأمريكان من وطنها، وانها فرحة ومسرورة بحصول بلدها على استقلاله، وأنها ستناضل من أجل انتزاع حقوقها المشروعة في ظل الاستقلال..
في ظرف أربع سنوات يتقدم الرئيس الأمريكي للانتخابات لقياس مدى التزامه بتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي وعد الناخبين بتحقيقه، ولتقييم عمله وهو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ويكون للفئة الناخبة الحقُّ في أن تقرر في مصير الرئيس، سواء بطرده، أو التجديد له لولاية ثانية، فأربع سنوات مدة يعتبرها الدستور الأمريكي كافية لتقييم أداء الرئيس الأمريكي المنتخب، بالسلب أو بالإيجاب..
لكن ماذا جرى في أفغانستان؟ لقد مكثت القوات الأمريكية محتلةً أفغانستان عشرين عاما. إنها مدة زمنية طويلة جدا. فلو توفرت الإرادة الحقيقية لدى الأمريكان لتطوير أفغانستان، لكانوا قد نقلوه في هذه المدة المديدة من حالة البؤس والفقر، والجوع التي وجدوه عليها لحظة احتلالهم له، إلى بلدٍ مزدهرٍ اقتصاديا، وتجاريا، واجتماعيا، وثقافيا، ولتمكنوا من إحداث تغييرات جوهرية في بنيته التحتية والفوقية..
كان الأفغان سيشعرون، مع مرور الوقت، بالتغيير نحو الأفضل الذي يطرأ في بلادهم، في ظل الوجود الأمريكي، ولعلهم كانوا سيتطوعون، من تلقاء أنفسهم، للمطالبة ببقاء القوات الأمريكية في بلدهم، وربما كانت حركة طالبان ستجد نفسها معزولة في المجتمع، وغير قادرة على تعبئته، لطرد الأمريكان من أفغانستان..
لم يتصرف الرؤساء الأمريكيون على هذا النحو، وكان جون بايدن واضحا وصريحا في كلامه عندما قال: لم تكن مهمتنا هي بناء الدولة الأفغانية. يعني ذلك، ببساطة شديدة، أن غرض الأمريكان في أفغانستان تَمثَّل في الحفاظ عليه كما وجدوه لحظة احتلاله، و كان همُّهم الرئيسي هو استغلال موقعه الجغرافي للتجسس منه، على روسيا والصين وإيران، والبحث عن بعض من ثرواته لنهبها، وجعله معبرا لفرض النظام الدولي الجديد بالقطب الأوحد كما كانت تتصور ذلك الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن..
فكيف يجوز القول اليوم، بعد الهروب الأطلسي من أفغانستان، إن المرأة الأفغانية قد تحررت مع الاحتلال الأمريكي، وأصبحت لديها حقوق في ظله؟ غريب هذا المنطق الغربي، المرأة الأفغانية كانت متحررة، في مجتمعٍ رجاله كانوا عبيدا في نظر المحتلين الأمريكان. هذه إهانة للمجتمع الأفغاني برجاله ونسائه، ولذلك وجدناه يرفض الاحتلال، ويناضل ويكافح إلى أن هزمه وطرده من أفغانستان…