أعلن البنتاغون خروج آخر جندي أميركي من أفغانستان ليل الإثنين، لتطوى بذلك صفحة حرب استمرّت 20 سنة وسيطرت في نهايتها حركة طالبان الإسلامية المتشدّدة على البلاد مجدّداً.
وفي حين كان الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن أنّه سيلقي الثلاثاء خطاباً إلى الأمّة بشأن الانسحاب من أفغانستان، كان مقاتلو حركة طالبان يطلقون النار في الهواء احتفالاً بسيطرتهم على مطار العاصمة بعد إقلاع آخر طائرة عسكرية أميركية منه.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي خلال مؤتمر صحافي "أنا هنا لأعلن أننا أنجزنا انسحابنا من أفغانستان".
وأضاف الجنرال ماكنزي الذي تتبع أفغانستان لنطاق عمليات قيادته أنّ "آخر طائرة سي-17 أقلعت من مطار كابول في 30 آب/أغسطس" في الساعة 19:29 ت غ.
- السفير وجنرال -
وأوضح أنّ آخر أميركيين غادرا كابول هما روس ويلسون سفير الولايات المتّحدة في كابول والجنرال كريس دوناهو القائد الميداني للقوات الأميركية في أفغانستان.
لكنّ الجنرال ماكنزي لفت إلى أنّه "إذا كانت عمليات الإجلاء العسكرية قد انتهت فإن المهمة الدبلوماسية الرامية للتحقّق ممّا إذا كان هناك مزيد من المواطنين الأميركيين أو الأفغان المؤهلين الراغبين بالرحيل تتواصل".
وأوضح أنّه منذ 14 آب/أغسطس وحتى ليل الإثنين، أي خلال الـ18 يوماً الماضية، أخلت طائرات الولايات المتّحدة وحلفائها أكثر من 123 ألف مدني من مطار حامد كرزاي.
بيد أنّ القائد العسكري الأميركي أقرّ في الوقت عينه بأنّ عدد الذين تمكّن من إجلائهم من كابول قبل إنجاز الانسحاب هو أقلّ ممّا كان يأمل.
وقال "لم نتمكّن من إجلاء كلّ من كنّا نريد إجلاؤهم"، مشيراً إلى أنّ عمليات الإجلاء انتهت قبل "حوالى 12 ساعة" من موعد مغادرة آخر عسكري أميركي أفغانستان، لكنّ القوات الأميركية ظلّت "حتى اللحظة الأخيرة" في مطار كابول جاهزة لإجلاء كلّ من استطاع الوصول إلى المطار.
وبذلك تكون الولايات المتّحدة قد انسحبت من أفغانستان قبل 24 ساعة من المهلة النهائية التي حدّدها بايدن لهذا الاستحقاق.
وبانسحابها من أفغانستان تكون واشنطن قد تركت هذا البلد في أيدي طالبان، الحركة الإسلامية المتشدّدة التي خاضت ضدّها الولايات المتّحدة حرباً هي الأطول في تاريخها على الإطلاق وشنّتها ردّاً على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.
- طالبان تحتفل -
وسارعت الحركة المتشدّدة التي سيطرت بسرعة خاطفة على البلاد منذ دنا موعد الانسحاب، إلى الاحتفال برحيل القوات الأميركية و"انتهاء الاحتلال".
وكتب المسؤول الكبير في الحركة أنس حقّاني في تغريدة على تويتر "لقد صنعنا التاريخ مرة أخرى. هذه الليلة انتهى احتلال الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي لأفغانستان والذي استمرّ 20 سنة. أنا سعيد جداً لأنّني بعد 20 سنة من الجهاد والتضحيات والمشقّات، أشهد بكل اعتزاز هذه اللحظات التاريخية".
وأرفق حقّاني تغريدته بمقطع فيديو ظهر فيه مقاتلون من الحركة وهم يكبرّون ويهتفون ويطلقون النار في الهواء احتفالاً بانسحاب آخر جندي أميركي.
ومع إقلاع آخر طائرة عسكرية من مطار كابول دوّى أزيز الرصاص في سائر أنحاء العاصمة احتفالاً بسيطرة طالبان عليه.
وسمع مراسلو وكالة فرانس برس دوي إطلاق النار الاحتفالي من مواقع عديدة من العاصمة يتمركز فيها مقاتلو الحركة الإسلامية المتشددة، في حين علا هتاف رفاق بينما كانوا يجتازون الحواجز المؤدية إلى المنطقة الخضراء.
وكان التوتر المحيط بالمرحلة الأخيرة من عمليات الإجلاء بلغ ذروته الخميس حين وقع تفجير انتحاري عند مدخل المطار تبنّاه تنظيم الدولة الاسلامية-ولاية خراسان وأوقع أكثر من مئة قتل بينهم 13 عسكرياً أميركياً.
- قصف صاروخي -
والإثنين تبنى تنظيم الدولة الاسلامية-ولاية خراسان إطلاق ستة صواريخ على المطار، لكنها لم تؤثر على عمليات الاجلاء التي استمرت "بدون توقف" بحسب البيت الأبيض. وقال مسؤول من طالبان في المكان إنّ الصواريخ اعترضها نظام الدفاع الجوي في المطار.
وبايدن الذي يواجه انتقادات شديدة بسبب إدارته لهذه الأزمة، استقبل الأحد في قاعدة دوفر جثامين العسكريين الذين قتلوا في كابول الخميس.
وقتل 2500 أميركي في افغانستان وأنفقت الولايات المتحدة أكثر من الفي مليار دولار في 20 عاما. وهي تخرج الآن من هذه الحرب، الأطول في تاريخها، وقد لطّخت صورتها بسبب عجزها عن توقّع سرعة انتصار طالبان وطريقة إدارتها عمليات الإجلاء.
وبرّر بايدن قراره عدم إرجاء موعد سحب قوات بلاده برفضه إطالة أمد هذه الحرب وبأن مهمتها أنجزت مع مقتل أسامة بن لادن على أيدي القوات الخاصة الأميركية في باكستان عام 2011.
لكنّ عدداً من المحللين يخشون أن تؤدي عودة طالبان الى السلطة الى تقوية الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة الاسلامية المسؤول عن أشدّ الاعتداءات الدموية التي وقعت في السنوات الماضية في أفغانستان، أو تنظيم القاعدة.
وقال الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في مقابلة مع وكالة فرانس برس ان هجمات تنظيم الدولة الإسلامية ستتوقف بعد رحيل الأميركيين وإلا فان النظام الجديد "سيهتمّ بذلك".
وأتى إنجاز الانسحاب في ختام نهار شهد حراكاً دبلوماسياً كثيفاً، إذ جمعت واشنطن عبر الفيديو شركاءها "الأساسيين" (فرنسا وكندا والمانيا وايطاليا واليابان وبريطانيا وتركيا وقطر والاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي) لبحث "مقاربة مشتركة" للمستقبل بعد 31 آب/اغسطس.
- مجلس الأمن -
كما أصدر مجلس الأمن الدولي في ختام اجتماع عقده الإثنين قراراً يدعو حركة طالبان إلى احترام "التزاماتها" من أجل خروج "آمن" لكلّ الذين يريدون مغادرة أفغانستان، لكن من دون أن يطالب بإقامة منطقة آمنة كانت فرنسا دعت إليها.
وصوّت 13 من أعضاء مجلس الأمن الـ15 لصالح القرار الذي صاغته الولايات المتحدة، فيما امتنعت كل من الصين وروسيا عن التصويت.
وينصّ القرار على أنّ مجلس الأمن "يتوقّع" من طالبان أن تفي بكل "التزاماتها"، لا سيّما في ما يتعلق بـ"المغادرة الآمنة" و"المنظمة" من أفغانستان "لمواطنين أفغان والرعايا الأجانب" بعد انسحاب الولايات المتحدة.
بالمقابل لم يأت القرار على ذكر "المنطقة الآمنة" أو المنطقة المحمية التي تحدّث عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكان ماكرون أعلن الأحد أن باريس ولندن ستدعوان في الأمم المتحدة لإنشاء "منطقة آمنة" في كابول للسماح خصوصا بمواصلة "العمليات الإنسانية".
لكنّ حركة طالبان التي أطاحت في منتصف آب/اغسطس بالحكومة المدعومة من الغرب أكّدت أنها ستحكم بطريقة مختلفة عن فترة حكمها بين 1996 و2001 عندما منعت الفتيات والنساء من الدراسة والعمل.
وحاولت الحركة المتشدّدة أن تظهر بمظهر الاعتدال والانفتاح، لكنّ عدداً من الدول والمراقبين يشكّكون في ذلك.
AFP