في مؤتمر جنيف.. رابطة العالم الإسلامي تؤكد دور التوعية الدينية للحد من انتشار الجائحة | صحيفة السفير

في مؤتمر جنيف.. رابطة العالم الإسلامي تؤكد دور التوعية الدينية للحد من انتشار الجائحة

سبت, 18/09/2021 - 11:52

في إطار الجهود الدولية المبذولة لمواجهة تداعيات جائحة كوفيد 19 التي أربكت الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كل بقاع العالم منذ ظهورها في مطلع سنة 2020 ، عقدت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي في مدينة جنيف السويسرية مؤتمرا حول التضامن العالمي لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد ـ19)، شارك في أعماله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، والأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومجلس الكنائس العالمي، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وحضره عدد من ممثلي المنظمات الدولية، والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة والمعنية. ومن بين أهم مخرجات المؤتمر الـتأكيد على أهمية تفعيل دور القيادات الدينية في تعزيز وعي المجتمعات بضرورة الانخراط الفعلي في مواجهة الجائحة والحد من انتشارها من خلال الالتزام بالاجراءات الوقائية وتلقي اللقاحات المعتمدة من الهيئات الطبية المختصة ، كما تم تحديد خارطة طريق للحد من التهافت على اللقاحات واحتكارها من خلال تحقيق عدالة في توزيع اللقاحات على الصعيد الدولي.

لم تكن دعوة رابطة العالم الإسلامي وأمينها العام للمشاركة في هذا المؤتمرالدولي المهم اعتباطية أو شكلية ، بل تعد في رأينا تعبيرا عن التقدير والاعتراف من منظمة الصحة العالمية بما قامت به الرابطة من جهود في مواجهة جائحة كوفيد .فانطلاقا من إيمانها بالعمل الإنساني ونبل الأهداف والمصير المشترك في إطار العلاقات الدولية، وضعت رابطة العالم الإسلامي " خطة الاستجابة العاجلة لجائحة كورونا" والتي كانت متميزة ومختلفة عمن سواها، من حيث مرجعيتها ، وسياقها العام ، ونوعيتها . واستندت الرابطة في خطتها لمواجهة وباء كورونا إلى ميثاقها الذي يحث جميع الأمم الإسلامية على تقديم الخير وإسعاد البشرية وتحقيق العدل بين جميع الأفراد ، وإلى "وثيقة مكة المكرمة" التي أكدت أن المسلمين جزء فاعل من العالم المعاصر، يسعون إلى التواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية، وتعزيز القيم النبيلة وبناء جسور المحبة والوئام الإنساني، والتصدي للظلم والصدام الحضاري والكراهية. لقد انطلقت رابطة العالم الإسلامي في خطتها لمواجهة وباء كورونا من تنفيذ أهدافها خاصة المتعلقة بالتعريف بالإسلام وبيان حقائقه وقيمه السمحة ، ودفع عوامل النزاع والشقاق، وتعزيز اللحمة بين الشعوب والأمم، والعناية بالتواصل الحضاري ونشر ثقافة الحوار. كما جسدت خطة الرابطة جانبا الجهود الكبيرة والمتواصلة التي يبذلها الأمين العام للرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى من أجل نشر الخير والسلام والوئام وتعزيز الحوار مع أتباع الأديان ، وأكدت بالملموس أن خدمات رابطة العالم الإسلامي الإنسانية ، كما قال أمينها العام ، لا تفرق بين دين ودين، ولا عرق وعرق، بل تقدم خدماتها الإنسانية للجميع أياً كانت أديانهم، وأياً كانت أعراقهم وأياً كانت بلدانهم، وأن هذا يمثل قيمة أخلاقية عليا في دين الإسلام تترجمها أكثر أن الإسلام لا يساوم في ما يبذل لوجه الله تعالى ولا ينتظر ثناء ولا شكرا من أحد.

في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف نوه الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بجهود منظمة الصحة العالمية في الحد من معاناة الدول من تداعيات جائحة كوفيد من خلال متابعتها العلمية والطبية الدقيقة لمختلف تطورات فيروس (كوفيدـ19)، وتقديم الإرشادات الفعَّالة من موقعها الدولي الموثوق به، مما أسهم بشكل كبير في تخفيف المعاناة من هذه الجائحة . وأكد في خطاب ألقاه في افتتاح المؤتمر أن منظمة الصحة العالمية تعد صانعة السلام العالمي من خطر عدو قاتل استهدف عالَمنا كُلَّه بدون استثناء، ومن خلال الجهود المستمرة ذات الكفاءة العالية للمنظمة تم الحد بشكل كبير من فتك هذه الجائحة بالأرواح، كما تم الحد من إنهاك المنشآت الصحية. وأوضح أن العالم لن يستطيع مواجهة هذه الجائحة إلا من خلال تعاونه الجاد، وتعزيز الوعي لدى الأفراد والمؤسساتبواسطة برامج مدروسة وقوانين فعَّالة على ضوء نصائح وإرشادات منظمة الصحة العالمية. وتطرق الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في مداخلته إلى المشكلات التي تواجه بعض المجتمعات الوطنية، ومنها مشكلة الوعي بأهمية التحصين، ومشكلة توفير التحصين للجميع وخاصة الدول الفقيرة، مؤكداً أن المشكلة الأولى لا يمكن علاجها إلا من خلال المؤثرين في المجتمعات من جهة، ومن جهة أخرى من خلال القوانين الفعَّالة التي تحاصر المتهربين من التحصين، متمنياً لو اتفقت دول العالم على عدم السماح بالدخول لأي دولة بدون جواز صحي مجاز من منظمة الصحة العالمية.

وفي هذه المناسبة استعرض الشيخ العيسى جهود رابطة العالم الإسلامي منذ بداية جائحة كورونا ، حيث أكد أن تلك الجهود انطلقت من القيم الإسلامية بإنسانيتها الشاملة دون تفريق وذلك ضمن مراحل متوازية. وأشار إلى أن تلك الجهود شملت المساعدات المادية بالتنسيق المباشر مع الحكومات، والتجهيزات الطبية للمؤسسات الصحية، والمعونات الغذائية للفئات الضعيفة، مع العمل على نشر الوعي الوقائي، وذلك لأكثر من 30 دولة حول العالم، حيث تم التركيز على الدول المتضررة أكثر فأكثر، دون تفريق في هذا العمل الإنساني لأي اعتبار لا ديني ولا إثني ولا سياسي ولا غيره.
وقال في هذا الصدد " لقد قمنا في هذا بمساعدة بلدان أوروبية غنية كانت وقت الجائحة أحوج ما تكون للوقوف معها وذلك بعدما أصبح نظامها الصحي على حافة الانهيار، وهذا هو واجبنا الإنساني الأخوي مع الجميع، الذي جعل هذه الجائحة تحمل لنا دروساً مهمة لا نزال نستفيد منها كل يوم، ومن أهم هذه الدروس إدراك ساكني كوكبنا أنهم أسرة واحدة مهما حاولت بعض الأفكار والمصالح تفريقنا" .

لقد سبقت الإشارة في مقدمة هذا المقال إلى أن من بين أهم مخرجات مؤتمر جنيف توصيتان اثنتان : الأولى تؤكد على أهمية تفعيل دور القيادات الدينية في تعزيز وعي المجتمعات بضرورة الانخراط الفعلي في مواجهة الجائحة ، والثانية تدعو إلى تحديد خارطة طريق للحد من التهافت على اللقاحات واحتكارها من خلال تحقيق عدالة في توزيع اللقاحات على الصعيد الدولي .

بالنسبة للتوصية الأولى بشأن القيادات الدينية، فقد سبق للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن أكد في حوار نشرته جريدة المساء المغربية أن دورهم ينصب على التوعية باتخاذ الإجراءات الوقائية لها حسب تعليمات الدولة الوطنية، وتحفيز الجميع على وجوب أخذ اللقاح، والتحذير من أساليب الدجل التي يمارسها البعض عن حسن نية أو سوء نية، سواء فيما يتعلق بالعلاجات الوهمية أو نشر الدعايات الكاذبة حول اللقاحات. وعبر عن أسفه في وجود بعض الأطروحات المرتجلة سواء فيما يتعلق بالعلاجات أو اللقاحات خرجت من أناس محسوبين على العلم الشرعي ، ونبه إلى أن ذلك أمر خطير جداً، ومن واجب القيادات الدينية ومن يتبعهم حسم هذا الأمر لكونه منوطاً بهم من حيث الأصل. ودعا المؤسسات والهيئات والمجامع العلمية في كل دولة إلى التصدي لأي إرجاف يتعلق بهذا الأمر، ومن ذلك بعض الدعاوى الكاذبة بأن مشتقات بعض اللقاحات تحتوي على مواد محرمة شرعاً . وفي مؤتمر جنيف أوضح الشيخ العيسى أن بعض الأفكار المحسوبة في الظاهر على الدين سواء لدى بعض المسلمين أو غيرهم شكلت أحياناً حاجزاً ضد أخذ اللقاحات، وقال: «قمنا من جهتنا بما يجب من التوعية وخاصة توعية القادة الدينيين المؤثرين، وذلك بالتعاون مع شركائنا في الدول التي تتطلب التدخل للمساعدة، ومن آخر هذه البرامج برنامج (Immas for vaccing)، والذي يعتمد تحفيز الجميع على أخذ اللقاحات، وتوضيح الجانب الديني لهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة

وفيما يتعلق بالتوصية الثانية الداعية إلى الحد من التهافت على اللقاحات واحتكارها فهي تعكس وعي المجتمع الدولي بأن فيروس كوفيد 19 هو العدو المشترك للبشرية جميعها، مما يتطلب تظافر الجهود بين المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والجمعيات الخيرية ومراكز البحث العلمي المتخصصة في علم الأوبئة . ولذلك ازدادت القناعة رسوخا لدى المهتمين بالموضوع بأن هذا النهج التضامني هو أمر حتمي وليس اختيارياً، خاصة أن الجائحة لم تفرق بيت الدول الغنية ولا الفقيرة ، ولم تميز بين معتنقي الأديان، ولم تتقيد بالحدود ، ولم تعر أي اهتمام للتجهيزات العسكرية المتطورة للدول العظمى. ولذلك شدد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في مداخلته في مؤتمر جنيف على أهمية التوزيع العادل للقاحات، حتى لا يستأثر بها الأغنياء ويبقى الفقراء وحدهم أمام تهديد هذه الجائحة، مؤكدا أنه إذا حصل ذلك سيكون عاراً على العالم كله، وستكون هذه الوصمة أقوى في قلوبنا من ألم هذه الجائحة.

وقبل انعقاد مؤتمر جنيف ، سبق للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية في أحد اجتماعات المجلس التنفيذي للمنظمة أن حذر من أن تخزين لقاحات فيروس كورونا من جانب الدول الغنية ليس أمرا غير أخلاقي فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى إطالة أمد الوباء، معتبرا أن “العالم على شفير فشل أخلاقي كارثي، وثمن هذا الإخفاق سندفعه بأرواح وأرزاق في الدول الأكثر فقرا”. وندد بسلوك الدول الغنية التي تطبق نهج “أنا أولا”، منتقدا مصنعي اللقاحات الذين يسعون للحصول على موافقة الهيئات الناظمة في الدول الغنية بدلا من تقديم بياناتها لمنظمة الصحة العالمية من أجل إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام اللقاح عالميا.

اليوم ما زال العالم يشهد تسابقا كبيرا وتهافتا متزايدا في احتكار واقتناء التلقيحات المضادة لكوفيد، مما جعل قيم التضامن الانساني في المحك ، خاصة حين بدأت بعض الدول الغنية تستعد لتمكين مواطنيها من الجرعة الثالثة من اللقاحات ، بينما شعوب كثيرة لم تستفد بعد من الجرعة الأولى من التلقيح . هنا يطرح السؤال : أين الالتزام القانوني والأخلاقي بالمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تدعو المجتمع الدولي إلى )الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.)

_______________

د. المحجوب بنسعيد
خبير برامج التواصل والحوار الثقافي
الرباط/ المغرب