في إطار تنفيذ ميثاق رابطة العالم الإسلامي الهادف إلى "التعريف بالإسلام وبيان حقائقه وقيمه السمحة، والعناية بالتواصل الحضاري ونشر ثقافة الحوار، والاهتمام بالأقليات المسلمة وقضاياها، والتواصل معها لعلاج المشكلات التي تواجهها في حدود دساتير وأنظمة الدول التي يوجدون فيها"، وسعيا إلى إبراز البعد الإنساني والعالمي لوثيقة مكة المكرمة التي أكدت أن المسلمين جزء فاعل من العالم المعاصر، يسعون إلى التواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية، وتعزيز القيم النبيلة وبناء جسورالمحبة والوئام الإنساني، والتصدي للظلم والصدام الحضاري والكراهية، نفذت الرابطة في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال شهر أكتوبرالماضي وبداية شهر نونبر الحالي ، وبإشراف شخصي من أمينها العام الشيخ الدكتورعبد الكريم بن محمد العيسى ،عددا مهما من الأنشطة الديبلوماسية والأكاديمية التي أضفت مزيدا من الإشعاع الدولي للرابطة ، وأكدت المكانة الاعتبارية والتقدير الكبير لقيادتها على المستوى الدولي، مما يبعث الاطمئنان في نفوس المسلمين عبر العالم بأنه ما زال في العالم الإسلامي حكماء وعقلاء قادرون، بواسطة نهج أسلوب الحكمة والحوار والتواصل والتفاهم،على اقناع الرأي العام الدولي بأن الدين الإسلامي رسالة حضارية عالمية تدعو إلى السلام والمحبة والإخاء ونشر الخير والفضيلة ، وتبرهن للعالم بأن ديننا الحنيف بريء مما ينسب إليه من تهم التطرف والتعصب ورفض الآخر .
اجتماع تاريخي مع الأمين العام للأمم المتحدة
بمقر هيئة الأمم المتحدة في نيويورك ، استقبل السيد أنطونيو جوتيريش ،الأمين العام للأمم المتحدة، يوم 20 أكتوبر 2021 الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، بحضور السيد ميجيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة. لقد اكتسى هذا اللقاء أهمية كبيرة وحمل دلالات كثيرة بالنظر إلى مكانه وموضوعه . فالأمم المتحدة منظمة حكومية دولية تهدف إلى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتطويرالعلاقات الودية بين الدول، وتحقيق التعاون الدولي، وحماية حقوق الإنسان ،وتقديم المعونات والإغاثة الإنسانية للمناطق التي تعاني بسبب الكوارث الطبيعة والكوارث الناجمة عن الحروب والنزاعات. كما أصبحت تهتم في العقدين الأخيرين بالحد من خطاب الكراهية والإساءة للأديان واحترام التنوع الثقافي والديني للشعوب والأمم . ورابطة العالم الإسلامي كما هو معلوم تتقاسم هذه الانشغالات مع الأمم المتحدة ، وتوليها عناية فائقة في ميثاقها وفي برامج عملها الأكاديمية والإغاثية. لذلك فإن المحادثات التي تمت خلال هذا الاجتماع تمحورت حول الجهود والمبادرات الرائدة التي يقوم بها الشيخ الدكتور محمد العيسى من أجل تعزيز الجهود الدولية في مواجهة الكراهية وحماية دور العبادة حول العالم . ومما لا شك فيه أن استقبال الأمين العام للأمم المتحدة للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي هو اعتراف أممي للشيخ محمد العيسى ولدوره الفاعل والمؤثر اليوم في تعزيز جهود المجتمع الدولي في مواجهة التطرف العنيف والإرهاب والمساهمة في نشر قيم الحوار والتفاهم والتسامح والعيش المشترك بين شعوب العالم بغض النظر عن انتمائها الجنسي واللغوي والثقافي والديني ، من أجل تحقيق السلم والأمن العالميين . كما ينضاف هذا اللقاء إلى سلسلة اللقاءات المهمة التي جمعت الشيخ العيسى مع قيادات دينية عالمية في مقدمتها بابا الفاتيكان ، وقيادات سياسية وبرلمانية من أوربا وآسيا وروسيا وإفريقيا .
لقاءات مع قيادات دينية مسلمة وانجيلية
انطلاقا من رسالتها الحضارية الهادفة إلى نشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي ، واستلهاما لمبادراتها الدولية الرائدة في مجال ترسيخ قيم العيش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم وتعزيز التسامح والحوار بين أتباع الأديان ، والدفاع عن الهوية الثقافية للأقليات المسلمة عبر العالم ، وانفتاحها على الثقافات الأخرى ، واندماجها في المجتمعات التي تعيش فيها ، يحرص الشيخ الدكتور محمد العيسى في كل زياراته للدول التي توجد فيها أقليات وجاليات مسلمة ، على التواصل مع ممثلي هذه الأقليات من رؤساء جمعيات ومراكز ثقافية . وفي هذا الإطارعقد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين لقاء في مقرِّ إقامته بواشنطن مع القيادات الإسلامية الأمريكية ، تضمن عددا من المفتين والأئمة ورؤساء المراكز،. وتم خلال هذا اللقاء مناقشة عدد من القضايا التي تهم هذه الأقليات في المجالات الدينية والثقافية والمدنية والقانونية والسياسية ،كما تم التباحث خلال هذا اللقاء ، حول مختلف الترتيبات والإجراءات المتعلقة بتفعيل مضامين “وثيقة مكة المكرمة”.
ويؤكد هذا اللقاء الدور الطلائعي الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي في الدفاع عن الحقوق الثقافية والدينية والمدنية للأقليات والجاليات المسلمة عبر العالم ، مما جعلها اليوم أكثر المنظمات مصداقية وقدرة على توعية الأقليات المسلمة في العالم على التشبت بهويتها الثقافية والدينية ومساعدتها على الالتزام باحترام القوانين المنصوص عليها في دساتير الدول التي تعيشها فيها هذه الأقليات، إما كمهاجرين شرعيين أو مواطنين كاملي المواطنة. وبهذه المبادرات الإسلامية والإنسانية النبيلة تساهم رابطة العالم الإسلامي في التصدي للمنظمات والجمعياتا التي تتاجر بقضايا الأقليات والجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية وترفع شعارات دار الكفر ودار الإيمان .
وفي السياق نفسه، اجتمع الدكتور الشيخ العيسى مع عدد من القيادات الإنجيلية الأمريكية. وفي لقاء مفعم بالاحترام المتبادل، ناقش معهم عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سبل تعزيز الحوار بين أتباع الأديان وتظافر الجهود للحد من خطاب الكراهية والإساءة للأديان ولرموزها المقدسة. وخلال هذا اللقاء أبرزالأمين العام لرابطة العالم الإسلامي المضامين الإنسانية الحضارية السامية في “وثيقة مكة المكرمة” ، موضحا أنها أكدت في توجهاتها على أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يُبرر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلا فاعلا يجعل من التنوع جسرا للحوار، والتفاهم، والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده، والبحث عن المشتركات الجامعة . في هذا اللقاء تم التباحث كذلك حول آفاق الشراكة بين الرابطة والقيادات الإنجيلية الأمريكية من أجل ترسيخ مضامين وثيقة مكة المكرمة التي تؤسس للوئام المجتمعي والعالمي.
مباحثات مع شخصيات سياسية وعلمية رفيعة
في مدينة واشنطن ، التقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين ، السيدة تيريسا فيرنانديز، عضو الكونغرس من الحزب الديمقراطي ، والتي تشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية للشعوب الأصلية في كتلة مجلس النواب. وخلال هذا اللقاء تباحث الجانبان حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.واستقبل بعد ذلك السيد آدم فيليبس، مدير مركز الأديان في الوكالة الأمريكية الدوْلية للتنمية، وبحث معه سبل تعزيز التعاون الثنائي في تنفيذ عدد من المشروعات، كما تم تبادل وجهات النظر حول آفاق العمل المشترك في ظل المتغيّرات الدوْلية خاصة في المجالين الاقتصادي والصحي. كما التقى وفدا من جامعة جونز هوبكنز برئاسة مديرة مركز أبحاث السياسات الدكتور شانون فراتارولي ، وتباحث معهم حول سبل تعزيز التعاون الثنائي المشترك في المجالات المتعلقة بحماية الشباب من مخاطر المخدرات.
أنشطة أكاديمية ومنتدى للتعريف بوثيقة مكة المكرمة
بدعوة واستضافة من جامعة يشيفا بمدينة نيويورك ، ألقى الشيخ الدكتور محمد العيسى محاضرة تناول فيها بالتحليل عددا من القضايا المعاصرة التي تشغل بال المجتمعات الإنسانية ، وأشار إلى الحلول الناجعة لها المضمنة في بنود "وثيقة مكة المكرمة". وحضرهذا اللقاء الأكاديمي الرفيع رئيس جامعة يشيفا ، وتابعها وتفاعل معها عدد غفير من الأساتذة والباحثين والطلبة . وفي هذه المناسبة ، تم تكريم الشيخ الدكتور محمد العيسى ، اعترافا بجهوده المتواصلة من أجل نشر السلام ومحاربة الكراهية. وفي مدينة نيويورك ، نظَّمت رابطة العالم الإسلامي ملتقى ثقافياً حول موضوع ( القيم الحضارية والاتجاهات الفلسفية المشتركة)، بالتعاون مع اليونسكو وجامعة كولومبيا والاتحاد السفاردي.
وكان أبرز نشاط أكاديمي للرابطة في العاصمة الأمريكية واشنطن هو المنتدى الفكري الأول الذي عقدته تحت عنوان "وثيقة مكة المكرمة لتعزيز الوحدة والتعايش العالمي: تعاون الأديان من أجل الأمن والصحة والتنمية"، بشراكة مع عدد من المؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية من مختلف الولايات الأمريكية. وشارك في أعمال المنتدى الأمين العام للرابطة، والمديرة التنفيذية لمكتب البيت الأبيض للشراكات القائمة على العقيدة والجوار، ونخبة من القيادات السياسية والفكرية ، ورؤساء وأعضاء المراكز الفكرية والبحثية وعدد من القيادات الدينية والأكاديمية. وكانت جلسات عمل المنتدى غنية من حيث مواضيعها ، ومتميزة من حيث القيمة العلمية المشاركين فيها ، حيث تم عقد جلسة نقاشٍ افتتاحية، ثم خمس ورش عمل خصصت لمناقشة مستفيضة لمواضيع (الحريات الدينية) و(تعاون أتباع الأديان) و (القضايا الاجتماعية في مجتمعات الأقليات) و(دورالاستجابة الدينية في أوقات الأزمات). ومن النتائج العملية لهذا المنتدى الاتفاق على تنفيذ أربعة برامج عالمية، انطلاقاً من مبادئ وثيقة مكة المكرمة، هي: الدبلوماسية الدينية بقيمها المشتركة مع مختلف أتباع الأديان، وإشراك الشباب، والتمكين المشروع للمرأة، وبناء القدرات، والتي ستستمد أنشطتها من مجالات الاهتمام الإنساني والاجتماعي والاقتصادي على المستوى الدولي.
تعكس هذه الأنشطة النوعية جانبا من جوانب الرؤية الحضارية الجديدة لرابطة العالم الإسلامي التي ترى أن الحوار الفعال هو الأساس القوي للسلام وللتفاعل بين القيم الإنسانية المشتركة وللتعايش بين أتباع الأديان ،والخروج من دائرة الانغلاق الفكري والاحتقان الثقافي والصدام الحضاري. وهو منهج العقلاء وسبيل الحكماء ، بفضله يتم تعزيز التعاون الدولي والانخراط الفعلي في الجهود الدولية الهادفة إلى نشر ثقافة العدل والسلام ، وترسيخ قيم التعايش والتسامح والحد من سوء الفهم والتفاهم من خلال التركيز على القواسم والمشتركات الفكرية والثقافية والدينية . لقد أكد الدكتور الشيخ العيسى في مناسبات عديدة أن هدا المنهج أضحى ضرورة قائمة وواجبا شرعيا ومطلبا حضاريا ، يتطلب ابتكار سبل جديدة واتخاذ مبادرات عملية لكي لا يكون هذا الحوار ترفا معرفيا واستهلاكا إعلاميا ، بل حوارا معززا للتعاون الدولي في إطارالنزعة الإنسانية الساعية إلى تطوير العلاقات الدولية من أجل تحقيق السلام العالمي .
________
بقلم : المحجوب بن سعيد/ الرباط