"حينَّ أموت يا أصدقائي, أرقدوني تَحت أجنَحَة النَخيل, ولتَنشَد الشاعِرة أبياتاً تَصِف كَيفَّ انفَطر قَلبي مِنْ فَرط حُبي لبَلدي الرهيب, ولفلاحيهِ ورُعاتهُ وصَياديهِ وأبطالهُ الأسطوريين, ولِتلك الأصوات الدافئة: أصوات العذارىَ!"
هَذهِ الكَلمات منقوشة عَلىَ قَبر مُحرَر السِنغال وشاعرها وأول رئيس لَها سيدار سنغور كَتبها قبل وفاتهُ. واليوم وبعدَّ العدَيد مِنْ الاعوام يأتي أحفاد سنغور ويتعَملقون ويقتنصون كأس الاُمم الافريقية لأول مَرّة في تاريخهُم عَلىَ حِساب المُنتَخب المصري، صاحِب الرَقَم القياسي في الفوز ب"المَلكة الإفريقية" لتعُم أفراح أسطورية للجماهير السنغالية. ويُستقَبل اليو سيسيه، المُدرِب الوَطني لمنتَخب السنغال وماني ورفاقهُ، استِقبال الأبطال في العاصِمة السنِغالية داكار.
الفرحة انتقَلت كالنار في الهَشيم في ربوع القارة السمراء بتحقيق أسود التيرانغا اللقَب القاري الأغلىَ حَتىَ داخل اوساط كَثير مِنْ الجماهير المصرية التي حَزنت لخُسارة مُنتخبها الوطني اللقَب!
أرادها الله سنغالية وكانت فرحة لجَميع الشعوب في القارة السمراء. بَعدَّ مُحاولات خَبيثة لإخراج البُطولة مِنْ مضمونها الرياضي الشريف وتحويلها الىَ صِراع خَلفي، نَفخَ فيهِ الإعلام وبعضَّ الجِهات المأجورة بَينَّ الأفارقة ذو الأصول العرَبية والأفارقة أصحاب البشرة السَمراء .
قادَّ الفَريق الأول مجموعة قنوات Bein Sports ومُحلليها أبوتريكة وحاتم الطرابلسي بتَقديمهُم لمَضمون عُنصري بَحت مفادهُ أننا يَجب أنْ نُشجع كُرة القَدم عَلىَ أساس عِرقي أو ديني! ولتَذهب الكُرة الجَميلة وفطرَتنا الإنسانية إلى الجَحيم!
وقادَّ الفريق الثاني الأزرُع الاعلامية الأثيوبية في القارة السمراء التي تُريد أنْ تُحول صِراع دولتها معَّ مَصر بسَبب التوافق حولَّ قواعِد مِلء وتَشغيل سَد النَهضة الأثيوبي إلىَ صِراع عِرقي داخِل القارة!
فَشَلَّ هؤلاء جميعاً في مَسعاهم وانتصَرت فِطرَتنا الإنسانية السَليمة حَتى أنَّ كثيراً مِنْ الجماهير المَصرية عَبرت عَنْ فرحِتها صراحةً لفوز أسود التيرانغا وفَرحة الجماهير السِنغالية العارمة.
حَقيقة أنَّ المَكسب الحَقيقي في هذهِ البُطولة هو استِعادة روح القارة الإفريقية ومشاعر الأخوة والإنسانية بينَّ شُعوبها. والتأكيد عَلىَ أنَّ للقارة هويتها ووجودها وأنَّ القُدرة عَلىَ تَنظيم مِثل هَذهِ البُطولات دائماً موجودة رَغَم المُعوقات الداخلية والخارجية. حيثُ كانَّ هُناك جدلاً كَبيراً حولَّ إقامة هَذهِ النُسخة بَعدَّ أنْ كانَّ مُفتَرض إقامتها العام الماضي وكانت هُناك مَطالب بإلغائها ومَطالِب أُخرىَ بإقامتها كُل أربع سنوات. وكُل هَذهِ المَطالب مِنْ خارج القارة مِمَنْ أتخذوا كُرة القَدم بزنس ومُتاجرة في عَدم احترام واضح لكياننا. ولا شَك انَّ أبرز مِثال لذَلك هوَّ تَعارض موعِد هَذهِ النُسخة معَّ موعِد كأس العالم للأندية الذي مِنْ المُفترض أنْ يُشارك فيهِ بَطل افريقيا الأهلي المصري بلاعبيهِ الدوليين. وكأنَّ كأس الاُمم الإفريقية بطولة ودية غير مُهِمة. ومِنْ المؤسِف أنْ تكون كُل هَذهِ الامور الغَير حيادية برِعاية الفيفا المُفترَض فيهِ النَزاهة والتَجرّد.
بالعودة للبُطولة والمُباراة النهائية بَينَّ المُنتخبين الشَقيقين مَصر والسِنغال فقَد كانَّ هُناك مَشهدين يُعبران بوضوح عَنْ مشاعِر الأُخوة والصداقة بَينَّ اللاعبين:
المَشهد الأول: هوَّ الذي جَمعَّ نِجمي ليفربول الانجليزي صلاح وماني معَّ حارِس المُنتخب المَصري أبو جبل قَبلَّ تَسديد الثاني ضَربة الجزاء التي أُحتسِبت للمُنتخب السِنغالي في بِداية المُباراة، وبداَّ المَشهد وكأنهم ثلاثة أصدقاء يتنافسون في دورة مَدرسية!
المَشهد الثاني: هوَّ الحَديث المُطول الذي جَمعَّ لاعِب المُنتَخَب السِنغالي كوليبالي نجم نابولي الإيطالي وأحَد أبرز مدافعي العالم معَّ محمد عبد المنعم المُدافع الناشئ للمُنتَخَب المَصري في نَهاية اللِقاء. وقَد بداَّ المَشهد وكأنَّ أخ كَبير يدعَم أخاه الصَغير ويُرشدهُ.
انتهَت البُطولة بَعد ما أفرَزت أجمَل ما فينا وهو روح المَحبة بينَّ أبناء القارة ولفَظَت العُنصريين مِنْ العَرب وأصحاب البَشرة السمراء.
يوحنا أنور داود
كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي