تراجع حرية الصحافة فى موريتانيا،سببه الأول العقلية الاستبدادية للرئيس غزوانى و نظرته الدونية لمهنة الصحافة و اعتماده منهج الترغيب و الترهيب،بدل العلاقات الشفافة مع الحقل الإعلامي،و لقد مثل تمرير قانون حماية الرموز قمة الاستهداف للمكتسبات الدستورية، فى مجال حرية التعبير عموما، و حرية الصحافة بوجه خاص!.
لقد ظهر أن ولد غزوانى مغرور بنفسه،فمن هو سوى رئيس موريتاني ،من سلسلة الرؤساء الانقلابيين،الذين ركبوا موجة نفوذ المؤسسة العسكرية،منذو 10 تموز يوليو 1978،و قصة الانتخابات مجرد ديكور هش،نقدره و نتمناه،و لن نشهد إطلاقا،بشفافيته و لا خلوه من الخروق البينة الجلية،المثيرة للضحك أحيانا.
قرابة خمسة رؤساء،معاوية و اعل رحمه الله،و سيد رحمه الله،و عزيز و غزوانى،كلهم جاءو بدفع واضح من المؤسسة العسكرية الموريتانية،و أما شكلية الاقتراع،فمجرد غطاء مكشوف طبعا.
و لقد أراد غزوانى و وزير دفاعه حنن و ولد بي وزير العدل و أفراد قلة من الحاشية لحرية التعبير و الصحافة أن تلغى فى أغلب شكلياتها و مضامينها ،و الجوهرية الضرورية للتعبير عن الرأي الآخر،لكنهم فشلوا فشلا ذريعا، و ارتد ذلك عليهم ،بشهادة منظمة مراسلون بلا حدود،الذائعة الصيت!.
و اليوم 5/5/2022 يتنفس هذا النظام المهزوز بصعوبة،لولا أن خرج من تحت عباءته رجال لا يؤمنون بمصادرة الرأي الآخر ،بل يرغبون فى تعميق الطابع التعايشي الإيجابي،إن لم يكن الديمقراطي الأمثل،لكن الحقيقة المحرجة أن لا أنصاف حلول فى تكريس و تجسيد كرامة الانسان و طبائع الشعوب!.
فالموريتانيون فى الوقت الراهن،و خصوصا الأجيال الشابة و بأعمار ستين فما تحت،يفضلون الحرية الكاملة غير الممنونة،على رغيف ملوث مشروط مرتهن!.
و رغم تأثير العسكر فى لعبة الحكم فى موريتانيا،إلا أن التنكر الصريح أو الضمني لدستور البلد و تجربته الديمقراطية النسبية،قد يفضى لذهاب بقية بصمة نفوذ المؤسسة العسكرية نحو التلاشى،و ربما جاء تمرير قانون الرموز السيئ الذكر فى ذلك الاتجاه غير المدروس،فهو يعنى صراحة أو ضمنيا، على رأي البعض،رفض ولد غزواني لانسيابية النقد و التعايش الحتمي بين مختلف الآراء و التوجهات!.
و رغم محاولات ولد غزوانى ترميم صلته بمهنة الصحافة إلا أن تمريره لقانون الرموز سبب عرجا بينا للتجربة الديمقراطية الموريتانية و فضح قصوره العميق فى مجال احترام الحريات التعددية و كرامة الانسان الموريتاني،لأن الحرية أصبحت واقعا و مكسبا ملموسا، لا يمكن التنكر له،و السياسة فى موريتانيا،لا يمكن إطلاقا إرجاعها لأساليب الثكنة،التى خرج منها غزوانى للتو!.
و رغم جهود تحت الطاولة و فوقها، يقوم بها بعض رجالات النظام ،على غرار القائد السابق للجيش،محمد ولد مكت و وزير الداخلية الحالي،محمد أحمد ولد محمد لمين،و المدير العام للأمن،مسقارو ولد سيدى،لترطيب العلاقة بين النظام و بعض الإعلاميين،إلا أن جملة الأوضاع السابقة الذكر و تأخر تنفيذ خطة إصلاح الصحافة و تأخر الدعم السنوي الرمزي و صعوبة ظروف الصحفيين و التضييق عليهم و ازدراءهم و عدم استدعاءهم لإفطار رئاسي، على منحى بعض القطاعات،كل هذا وضع العلاقة بين الطرفين،فى مستوى متأرجح بين الصراع و التهدئة.
ترى إلى أين يتجه مسار الصلة الباردة، بين نظام ولد غزوانى و الصحافة؟!.