رائد الدبلوماسية الدينية بقيمها المشتركة.. العيسى رجل السلام والتعايش بين أتباع الأديان | صحيفة السفير

رائد الدبلوماسية الدينية بقيمها المشتركة.. العيسى رجل السلام والتعايش بين أتباع الأديان

أربعاء, 29/06/2022 - 10:05

تعد رابطة العالم الإسلامي من أهم المنظمات الدولية التي تدافع عن الرسالة النبيلة والحضارية للأديان ، كما أنها استطاعت اليوم أن تكون في طليعة المؤسسات الفكرية التي تهتم بالحوار والتعايش بين أتباع الأديان من خلال وثائقها المرجعية ومؤتمراتها العلمية ومبادراتها الإنسانية والإغاثية .
ومن أهم تلك الوثائق المرجعية "وثيقة مكة المكرمة" التي اعتمدها 1200عالم ومفكر من مختلف المذاهب والطوائف في العالم الإسلامي الذين شاركوا في مؤتمر دولي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك من عام 1440 هجرية )مايو 2019). لقد أولت الوثيقة لموضوع الأديان مكانة مهمة حيث تم التأكيد على أن " التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرر لصراع والصدام ، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية ايجابية وتواصلا فعالا يجعل التنوع جسرا للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميع" . وأوضحت الوثيقة أن " أصل الأديان السماوية واحد وهو الإيمان بالله سبحانه إيمانا يوحده جل وعلا لا شريك له ، وشرائعها ومناهجها متعددة ولا يجوز الربط بين الدين والممارسات السياسية الخاطئة لأي من المنتسبين إليه" . وفي السياق نفسه تبين الوثيقة أن " براءة الأديان من مجازفة معتنقيها ومدعيها فهي لا تعبر إلا عن أصحابها ، فالشرائع المتعددة تدعو في أصولها إلى عبادة الخالق وحده ، والتقرب أليه بنفع مخلوقاته ، والحفاظ على كرامتهم ، وتعزيز قيمهم ، والحفاظ على علاقاتهم الأسرية والمجتمعية الايجابية " . كما أكدت الوثيقة أن " تحقيق معادلة العيش المشترك الآمن بين جميع المكونات الدينية والإثنية والثقافية على اتساع الدائرة الإنسانية يستدعي تعاون القيادات العالمية والمؤسسات الدولية كافة ، وعدم التفريق بين الناس على أساس ديني أو عرقي أو غيره".

وفي إطار تفعيل توجهات ومبادئ وثيقة مكة المكرمة قام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة العلماء المسلمين خلال سنتي 2021-2022 ، بعدد مهم من الأنشطة النوعية في أمريكا وأوربا وآسيا عكست في مجملها جانبا من جوانب الرؤية الحضارية الجديدة لرابطة العالم الإسلامي التي ترى أن الحوار الفعال هو الأساس القوي للسلام وللتفاعل بين القيم الإنسانية المشتركة وللتعايش بين أتباع الأديان ،والخروج من دائرة الانغلاق الفكري والاحتقان الثقافي والصدام الحضاري. واستلهمت أنشطة الأمين العام للرابطة منهج العقلاء وسبيل الحكماء الذي بفضله يتم تعزيز التعاون الدولي والانخراط الفعلي في الجهود الدولية الهادفة إلى نشر ثقافة العدل والسلام ، وترسيخ قيم التعايش والتسامح والحد من سوء الفهم والتفاهم من خلال التركيز على القواسم والمشتركات الفكرية والثقافية والدينية .

وفي هذا السياق قام الشيخ العيسى خلال شهر يوليو 2021 بزيارة كاتدرائية نيس الفرنسية التي تعرضت في وقت سابق لهجوم إرهابي، وزار في أغسطس 2021 كاتدرائية العاصمة المقدونية سكوبيه‬. كما التقى الأمين العام للجمعية البرلمانية الأرثوذكسية في سبتمبر 2021 حيث تم الاتفاق على إنشاء متحف يجسِّد العلاقة التاريخية بين الإسلام والمسيحية الأرثوذكسية، في إطار ما يجمع بينهما من القيم المشتركة، والإرث التاريخي الواحد بتحالفه الحضاري.

وبمناسبة زيارته لمدينة واشنطن في أكتوبر 2021 اجتمع الشيخ العيسى مع عدد من القيادات الإنجيلية الأمريكية وتباحث معهم حول سبل تعزيز الحوار بين أتباع الأديان وتظافر الجهود للحد من خطاب الكراهية والإساءة للأديان ولرموزها المقدسة، وآفاق الشراكة بين رابطة العالم الإسلامي والقيادات الإنجيلية الأمريكية من أجل ترسيخ مضامين وثيقة مكة المكرمة التي تؤسس للوئام المجتمعي والعالمي.

وخلال شهر فبراير 2022، قام الشيخ العيسى بزيارة مملكة تايلاند، تم خلالها الاجتماع مع القيادات الدينية التايلاندية بكافة تنوعها التي أكدت أن الإسلام يجسد معاني الرّقِي الحضاري باعتباره يحترم التنوع الثقافي والديني للشعوب. كما التقى بممثل القيادة البوذية في تايلاند . وفي هذه المناسبة منحت جامعة فطاني التايلاندية درجة الدكتوراه الفخرية للشيخ العيسى تقديراً لجهوده المخلصة من أجل التعايش بين أتباع الأديان ونشر قيم السلام والتسامح في المجتمعات البشرية عبر العالم

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ، شارك الشيخ العيسى في منتدى الأديان الدولي الذي عقد في ولاية تكساس خلال شهر مارس 2022 تحت شعار(حلفاء غير معتادين يبنون معاً مجتمعات مزدهرة) 2022 وفي هذه المناسبة ألقى الشيخ العيسى كلمة أكد فيها أن التقدم الحقيقي لا يحدث إلا عندما يقترن العمل والشجاعة بالتصميم القوي على إيجاد عالم أفضل لجميع الناس، بغض النظر عن الاختلافات الدينية أو العرقية أوغيرها. واستضاف معهد هدسون للأبحاث بالعاصمة واشنطن الشيخ العيسى حيث ألقى محاضرة تحدث فيها ‬ عن التطرف في تاريخ الأديان والفلسفات وسُبُل مواجهته حكومياً وأهلياً وأممياً.

وبدعوة رسمية من الحكومة الكمبودية، قام الشيخ العيسى في شهر يونيو 2022 بزيارة لمملكة كمبوديا تم خلالها عقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع كبار المسؤولين في الحكومة والبرلمان تناولت سبلا تعزيز الحوار والتعايش والسلم بين أتباع مختلف الأديان في كمبوديا . كما التقى الشيخ العيسى البطريرك البوذي الأكبر لمملكة كمبوديا تيب فونغ، والبطريرك بور كري، اللذين أكدا أن الزيارة "تاريخية للشعب الكمبودي، لم تسبقها زيارة شخصية إسلامية عالمية بمكانة د. العيسى المعروفة لدى الأمة البوذية"، مشددين على أهميتها لتعزيز التعاون بين أتباع الأديان.

هذه اللقاءات المتعددة والمتواصلة مع عدد من القيادات الدينية غير المسلمة في مختلف بقاع العالم بهدف التواصل والحوار والتفاهم وتعزيز المشتركات ، تعكس بجلاء البعد الحضاري والإنساني لشخصية الشيخ العيسى ، وتنضاف إلى الحدث التاريخي غير المسبوق والمبادرة الشجاعة التي قام بها حين ترأس في يناير 2020 وفدًا إسلاميًا رفيع المستوى من علماء العالم الإسلامي من مختلف المذاهب مصحوباً بقيادات دينية من عدد من أتباع الأديان بمناسبة زيارة موقع الإبادة الجماعية في سربرنتسا في البوسنة والهرسك ومعسكر الإبادة الجماعية في أوشفيتز ببولندا؛ ضمن جولة دولية في عدد من المواقع التي تعرضت للظلم والاضطهاد، وذلك للتأكيد على التنديد بتلك الجرائم البشعة دون استثناء أيٍّ منها

لقد حرص الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على الاستثمار الأمثل والأنجع للمشتركات الإنسانية وتوجيهها لتحقيق التعاون مع الآخر، والإسهام في تعزيز الاستقرارالاجتماعي، وترسيخ الاعتدال العالمي، ومكافحة العنف والتطرفـ وتقوية علاقات التعاون والتفاهم والتسامح والمحبة بين أتباع الأديان . وبذلك يعد اليوم من أكثر الشخصيات الفكرية والقيادات الثقافية الرائدة في مجال الديبلوماسية الدينية . فكان جديرا بنيل العديد من الجوائز من داخل العالم الإسلامي وخارجه ، ومن بينها الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأكاديمية للسلام التابعة للأمم المتحدة ، وجائزة النرويج "باني الجسور" العالمية لعام 2021 ،وغيرها من التكريمات والجوائز، اعترافا بجهوده الاستثنائية في تجسير العلاقة بين أتباع الأديان والحضارات بإسهامٍ رائعٍ وملموسٍ، بوصفه قوة عالمية رائدة للسلام والوئام بين الأمم والأديان، ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة.

*****
د. المحجوب بن سعيد ، باحث في علوم الاتصال والحوار الثقافي