لقد تجاوزت العنصرية في فرنسا رسمياًّ و شعبياًّ كل الحدود التي يمكن أن يتم تفهمها. أحياناً؛ إتّقاءً للضرر وحفاظاً على السلم الأهلي. ربما يكون حظر النقاب و البوركيني للمسلمات مقبولاً إلى درجة ما، أما أن يحتج الصحفي العنصري (إيريك زمّور) على تسمية وزيرة العدل السابقة في عهد حكومة (ساركوزي) (رشيدة داتي) التي تنحدر من أصول مغاربية – إبنتها ذات السبعة أعوام (زُهْرَة) على اسم أمها المتوفاة؛ فهو تصرف عنصري أحمق و غبي و ينم عن ياثولوجية فائقة و شديدة التعقيد.
يخرج الصحفي المريض عقلاً و نفساً و روحاً و إنسانية على شاشة تليفزيون فرنسي ليقول إن (زُهْرَة) أقل فرنسية لأن إسمها ليس فرنسياًّ مسيحياًّ. المعروف أن قانون حظر الأسماء غير الفرنسية المسيحية تم إلغاؤه عام ١٩٩٣ بعد مائتي سنة من إقراره العنصري على يد (نابليون بونابرت.) طبعاً سبب الإلغاء كان مراعياً لتغير طبيعة الديمغرافيا الفرنسية نتيجة هجرة الكثير من العرب و المسلمين و الأفارقة و الآسيويين من صينيين و يابانيين و هنود و غيرهم و حصولهم على الجنسية الفرنسية و المواطنة الكاملة و كثير منهم يشكلون الجيل الخامس في فرنسا.
الجدير بالذكر، أن (ساركوزي) نفسه من أبوين هنجاريين هاجر إلى فرنسا و لأنه مولود في فرنسا أصبح من حقه أن يرشح نفسه للرئاسة و أصبح رئيساً و ينوي ترشيح نقسه ثانيةً و بما أن الشيء بالشيء يُذكر؛ هنا يبرز وجه آخر للعنصرية الفرنسية فقد سُمح لساركوزي أن يرشح نفسه و ليصبح رئيساً رغم أن أبويه ليسا من مواليد فرنسا و السبب كما أشيع أن اللوبي اليهودي في فرنسا راضٍ عنه و يشاع أيضاً أن أبويه يهوديان. إن ثمة عرباً أجدادهم و ليس فحسب آباؤهم من مواليد فرنسا لم يتم السماح لهم بالترشح لرئاسة فرنسا لأنهم يحملون أسماء عربية كالطفلة (زُهْرَة.). طبعاً بصرف النظر عن إشاعة يهودية ساركوزي من عدمها، إنما من الإنصاف أن نورد هنا أنه يُحسب لنيكولا ساركوزي أنه لم يَنسَ أصله و أصل أبويه المهاجرين و عين (رشيدة داتي-أم زُهْرَة) التي تنحدر من أبوين مهاجرين وزيرة للعدل في حكومته، متحملاً ضغط اللوبي اليهودي و اليمين الذي تمثله (مارين لوبان) و الحملة التي واجهها نتيجة لذلك.
الشاهد أن (رشيدة داتي) دافعت عن إسم إبنتها (زُهْرَة) على شاشة أحد التليفزيونات الفرنسية قائلة إن كلام الصحفي الفرنسي (إيريك زمّور) باثولوجي أي مريض و يدل على عقلية مريضة و أضافت أنها تحب أمها و قررت تسمية إبنتها (زُهْرَة) على اسم أمها، كما يفعل ملايين الفرنسيين كل يوم. الأفظع في عنصرية الصحفي الفرنسي (زمّور) أنه إنتقد حتى (مارين لوبان) مدّعياً أنها ليست يمينية بما يكفي لأنها لم تعتبر إسم (زُهْرَة) و إسم أسطورة الكرة الفرنسية (زين الدين زيدان) أقل فرنسية منه. هذا تبجح عنصري بغيض فعلاً و قولاً.
أ.د. علي الهيل
أستاذ جامعي و كاتب قطري