لا نريد للتشاور الوطني المرتقب أن يعيش في نوعٍ من العُزلة بسبب نَظرة الشَماتة التي يُقابَل بها البروفيسور الذي يعكف على نسج خيوطه.. وهو الأستاذ الذي من المُفتَرَض أن يكون في الأمام، وكلما لَمْ يكن كذلك، كان ذلك مَدعاة لسرور بعض الكائدين.
مهلًا "كوميات"، ولا نقدح فيكم بنعتكم بهذا الوصف، فهو جزء من تراثنا، ولكن فقط "كوميات" هم الأكثر قَسوة في تراثنا المعاصر، ولأن البروفيسور يحيى ولد أحمد الوقف المحرك للتشاور المرتقب لا يَعتَبِرونه واحداً منهم، بل يجدونه شخصًا مُختلفًا؛ هناك الكثير من الأشياء التي تُخفى عنه، ولا يفوتون له شاردة ولا واردة.. حتى أنه إذا جاز التعبير، يقبلون من عبد المطلب بن هاشم، مقولته الشهيرة: أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًّا سيمنعه؛ ويعتبون على البروفيسور إذا أذادَ عن بيته وحصن منزله من سيول المياه. من هنا نلاحظ كيف يعمد صبية الصحافة والمدونون لمطاردته عبر ما تفيض به سموم أقلامهم، وتشير إليه سلبيتهم اتجاه التشاور المرتقب، إن لم نقل بأنها انتقادات في مجملها تحاول تحقيق هدف في الوقت بدل الضائع، يرد الصاع صاعين للجنة التحقيق البرلمانية التي حشرت فساد عشرية حكم ولد عبد العزيز في الزاوية.
لقد ارتقيتم مرتقاً صعباً، فلا أنتم ولا أولئك الذين ينشدون "اشتدّي أزمة تنفجري" ستنجحون في الدفع لإحداث أزمة كفى الله الوطن شرها، فالموضوع لا يتعلق بلعبة بلا ضوابط ونهايتها الصدام، بل بإحداث اختراق في جدار الانسداد، واختيار رجل مثل البروفسير يحيى ولد أحمد الوقف، فالرجل يعمل في صمت، وبكثير من التفاني ونكران للذات، ولن نسمح بأن يشوش عليه هزلكم وتراهاتكم.
وفي المقابل، أعتبر أن الإطار التنسيقي المتشكل في دعوة وزير الداخلية للأحزاب إلى الجلوس على طاولة مستديرة بهدف تنظيم الانتخابات نافذة مهمّة جدّاً للخروج بموقف وطني متّفق عليه للحلّ، وإنعاشًا للتشاور السياسي. وأعتقد أنها مكمّلة للمساعي التي يقودها البروفسير يحيى ولد أحمد الوقف، فالموضوعية الموريتانية لم تكن مهيأة بما فيه الكفاية للبدء في هذا التشاور، الذي وكما يبدو، جاء ملبيًّا لجميع القوى السياسية، أو كحد أدنى أمام بعض منها، من خيارات أخرى بديلة. ومن ثم فلعل تلك الإكراهات الذاتية النابعة من أسباب موضوعية ناتجة عن العشرية، هو الذي أطلق الجلسات الممهدة للتشاور ولم تكن الظروف قد نضجت بعد من أجل إنجاحه. وعلى المستوى الموضوعي أيضاً، يبدو أن هناك ارتباطاً موضوعياً قوياً بين أي حل للوضع السياسي، لا يمكنه القفز على مجريات الانتخابات وآلياتها التنفيذية، ومن ثم فلابد من التريث لبعض الوقت، كي يأتي ترتيب البيت الموريتاني منسجماً مع أي ترتيبات يجري التحضير لها لرسم الخارطة التشاورية التي يعمل البروفيسور على أن تشمل الجميع تجسيدًا لصورة موريتانيا الكبيرة التي تعادل مليون كيلوميتر مربع، ما يناهز خارطة فرنسا مرتين، وتقف عند حدود مياه نهر صنهاجة في طبعتها المصغرة. هنا نلاحظ تزاوج القوى والأعراق من مزيج فلكلورينا الوطني وحسب اختصاصاته في إنضاج تلك الظروف المؤدية للتشاور والقائمة على مجموعة من العوامل، بعض منها داخلي محلي صرف، وبعض آخر إقليمي دولي واضح.
وبعيدًا عن سياسة المزايدات وصراع الأجنحة، وتكسير العظام، وتقطير الشمع، على التشاور الوطني عوض الوقوف إلى جانبه، ولكي لا أطيل عليكم، أكتفي بأن أروي لكم هذه القصة التي تعود تجربتها إلى موريتانيين إثنين جمعتهما الأقدار في مركز لتأهيل المهاجرين السريين، بهدف الاندماج في المجتمع الوافدين إليه، والانخراط في عملية بناء ذلك الوطن.. فقد استنتجت المشرفة على عملية التقييم بأن الموريتانيين في أفضل صورة من التعامل الجيد الحسن اللبق، إلا أنهما ما إن يشعر الواحد منهما بتجاوز الآخر للمرحلة الفصل من التخرج في المركز والإقتراب من النجاح، إلا ويعمد كل منهما في التشويش على الآخر والشعور بعدم الراحة والضيق والاضطراب في السلوك.. وكانت الوصفة السحرية التي توصلت لها المشرفة هي الفصل بينهما، كل في جزيرة، هذا في سبتة وهذا في مليلية، وكانت النتيجة إيجابية.
ونتيجة لما أفضى إليه فشل الخطة الجهنمية في اختلاق أزمة بين الرئيس وموالاته.. بالإضافة إلى التقدم الكبير والملحوظ في بلورة التشاور الوطني على أرض الواقع، لا تستغربوا إذًا من المشوشين إذا عملوا على مكانتهم بما يثيرونه من ضوضاء بهدف تعطيل الوحدة الوطنية خلال هذه الظرفية الحساسة جدًّا، ورغم ذلك نقول إنها الديمقراطية.. فليرشقوا بألسنتهم حتى لا تتعطل لغة الكلام.. ولكن قفوا بعيدًا جدًّا، كالأبواق الفارغة، والألسن المتنمرة، لكن اتركوا الرئيس والبروفيسور يعملان بصمت على الخطط والبرامج التنموية والنهضة الشاملة والتشاور الوطني، ومهما كان فلا مجال للاختلاف وسد منافذ التشاور، فالجميع يعمل على قدم وساق وفق تراجيديا رابح رابح، ثم إنكم أيها المثبطون لن تضروا موريتانيا شيئًا ما دامت أوراق الحسم ليست بيدكم، وستبقى موريتانيا حرة مستقلة موحدة، مما يؤكد لنا بأن التشاور والدولة يسيران في مسارهما الصحيح.