تحتاج الشعوب المسلمة في القارة الإفريقية إلى كثير من الدعم والعناية والرعاية لتمكينها من مواجهة المخططات المدعومة ماليا وفنيا من أطراف عديدة ما فتأت تسعى سعيا حثيثا لتشكيك المسلمين الأفارقة في مدى صلاحية الثقافة الإسلامية لمواكبة العصر، وزعزعة إيمانهم بالمبادئ والقيم والمثل الإسلامية الأصيلة القائمة على الوسطية والاعتدال، وتضليل أبنائهم بواسطة أفكار وطروحات متطرفة تروجها الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة وداعش وبوكوحرام .
ووعيا من رابطة العالم الإسلامي بهذه التحديات فقد نفذت عددا من المشاريع الاغاثية -الإنسانية والفكرية- الثقافية والاجتماعية -الاقتصادية لفائدة الشعوب الأفريقية انطلاقًا من إيمانها بدورها الإنساني العالمي في الوقوف مع الفقراء والمتضررين في بلدانهم، وتحقيقاً لشعارها الإسلامي "في كل كبد رطبة أجر"، وترسيخاً لتحالفاتها واتفاقاتها المستمرة منذ عقود طويلة مع الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية.
وفي هذا السياق ، وحرصا من رابطة العالم الإسلامي على مواصلة جهودها الهادفة إلى توحيد كلمة العلماء المسلمين تجاه قضاياهم الكبرى ، فقد وقعت يوم 23 أغسطس الجاري اتفاقية تعاون مع الاتحاد الإسلامي الإفريقي الذي ينضوي تحت لواءه أكثر من 100 مليون مسلم . وتنص هذه الاتفاقية على إنشاء أول مجلسٍ لعلماء غرب أفريقيا تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي، وبرعاية الحكومة السنغالية، وتفعيل مضامين وثيقة مكة المكرمة في المجالات التربوية والدينية والثقافية، وتدريب الأئمة بغرب أفريقيا، وإقامة ملتقى "دوريٍّ" لعلماء غرب أفريقيا يبدأ من العاصمة السنغالية دكار، وتنفيذ برامج متخصصة لخدمة اللغة العربية وثقافتها. وفي اتصال هاتفي هنأ الرئيس السينغالي السيد مكي سال الشيخ العلامة محمد الماحي بن الشيخ إبراهيم نياس، رئيس الاتحاد الإسلامي الأفريقي على توقيع هذه الاتفاقيةَ مع رابطة العالم الإسلامي ووصفها بأنها اتفاقية تاريخية.
ومن أهم بنود هذه الاتفاقية "تدريب الأئمة بغرب أفريقيا" ، ذلك أن هذا البرنامج يكتسي اليوم أهمية قصوى وتوليه الحكومات والمنظمات الدولية عناية كبرى. فأخذا بالاعتبار المتطلبات المتزايدة للمسلمين خاصة في القارة الإفريقية التي تواجه خطر حملات التنصير من جهة ، والجماعات التكفيرية المتطرفة التي تدعي الانتماء للإسلام من جهة أخرى ، واستجابة لمطالب المسلمين في عدد من الدول الأأفريقية بضرورة توفير وإعداد الأطر الدينية التي تسهر على أداء وظائفها الشرعية المنوطة بها، ونشر الوسطية والاعتدال ، أصبح من الضروري النهوض بالوظائف الدينية للأئمة والدعاة في وفق منهج الوسطية والتيسير والتقريب وحفظ الأمن والبعد عن الغلو، والنهوض بالوظائف الاجتماعية وتقديم النصيحة والمشورة في شؤون الدين والدنيا بالتي هي أحسن وفق مبدأ رفع الحرج عن الناس، ومراعاة الخلاف والمآل والمصالح العامة. والنهوض بالوظائف التربوية ومراعاة المحيط المحلي والدولي وفق مبدأ الوفاء بالعهود والمواثيق وحسن الجوار والرفق في الحوار، ومراعاة حقوق الناس، وحرمة أموالهم وممتلكاتهم وأموالهم ودمائهم ، والسعي لتحقيق ذلك في إطار مبادئ الوسطية والاعتدال.
ومما لا شك فيه أن برنامج رابطة العالم الإسلامي بشأن "تدريب الأئمة بغرب أفريقيا" سيحقق كثيرا من الأهجداف النبيلة من بينها التوعية بأهمية دور الأئمة والدعاة في نشر ثقافة الوسطية والاعتدال في المجتمعات الأفريقية ، وتبادل الخبرات بين الأئمة والدعاة وتعزيز التشاور حول أنجع البرامج الدينية لتحصين الشباب من ثقافة العنف والغلو والتطرف وحمايتهم من الدعايات التي تروجها الجماعات المتطرفة.
إن قراءة متأنية في أنشطة رابطة العالم الإسلامي منذ تولي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمانة العامة للرابطة ، تبين أن الرابطة ركزت كثيرا على تعزيز حضورها وتأثيرها الإيجابي في القارة الإفريقية من خلال عدد مهم من المشاريع والبرامج لفائدة الشعوب الإفريقية . وحيث إن المقام لا يتسع لاستعراض كل هذه الأنشطة بتفصيل نشير إلى بعضها على النحو التالي :
- تنظيم الملتقى الإقليمي لخدمة الوحيين في القارة الأفريقية في جمهورية تنزانيا الاتحادية، ، بعنوان: "الكتاب والسنة منهج حياة ونماء"، بمشاركة رئيس زنجبار الدكتور حسين علي حسن أمويني، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وبحضوركبار العلماء في القارة الأفريقية.وكان هذا الملتقى الأول من نوعه في شرق أفريقيا.
- المشاركة في معرض داكار الدولي (FIDAK)، الذي أقيم تحت عنوان: "تعزيز الأعمال التجارية الزراعية من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المُستدامة"، حيث قدمت فيه الرابطة توثيقاً لمسيرتها في العمل الإنساني، وجهودِها الدولية ذاتِ الأثر الإيجابي الداعم للعطاء.
- تنظيم مؤتمر دولي تحت عنوان : "الفكر الإسلامي.. المنهج والرسالة"، برعاية الرئيس السنغالي مكي سال ومشاركة نخبة مميزة من العلماء والمفكرين الأفارقة وذلك في العاصمة السنغالية داكار.
-عقد مؤتمر الدولي تحت عنوان "الأقليات الدينية والإثنية ، الحقوق والواجبات"، في مدينة أكرا ، عاصمة جمهورية غانا ، شارك في أعماله نخبة من قادة الدين والفكر والسياسة والإعلام، من مختلف الانتماءات، وتناول الحقوق الثقافية للمجتمعات المتعددة دينياً، ودور التعليم الديني والهيئات الدينية في تحقيق المواطنة وتعزيز التعايش بين الأديان، ومقومات وعوائق السلم الاجتماعي في المجتمعات الإفريقية.
- تنفيذ برنامج جراحات القلب للأطفال في المجتمعات المحتاجة بإفريقيا، وبرامج إغاثية للفقراء والأيتام وقوافل مشروع "سلال رمضان " في 30 دولة أفريقية ، والاحتفال باليوم العالمي لمرضى السكر بتنظيم فعاليات وأنشطة علمية للكادر الطبي بالمستشفيات التابعة لها في أفريقيا، وتوزيع المخصصات والعيديات والإعانة المدرسية للأيتام ، ودعم الجهود الحكومية والأهلية لمواجهة تداعيات جائحة كوفيد 19 في عدد من الدول الأفريقية المحتاجة.
- توقيع اتفاقية تعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدعم أنشطة وفعاليات مشروع تدخلات حماية الطفل الذي نفذته المفوضية في شمال شرق نيجيريا، من أجل حماية الأطفال المعرضين لخطر الاتجار بالبشر أو ضحاياه، ولا سيما الفتيات، إضافة إلى دعم أنشطة الجهات الحكومية المعنية لتحسين خدمات حماية الطفل، و تدريب الهياكل المجتمعية على حماية وحقوق الطفل.
- تدشين عدد من المشروعات الإغاثية والتنموية في السنغال بحضور وإشراف شخصي من الأمين العام للرابطة تضمنت مخيمات طبية مع تأسيس مرافق حيوية في كافة أنحاء السنغال، لاسيما في القرى والأرياف. كما تم تدشين حزمة من المشروعات التنموية والرعوية في جمهورية غانا، والمشاركة في المهرجان العالمي للأيتام الذي نظمته الرابطة وحضره آلاف الأيتام في (ستاد ألواك)، وإنشاء مركز مهني وتقني لهم بإشراف حكومة غانا، وافتتاح أكبر المساجد التي أنشأتها الرابطة لخدمة المسلمين في غانا، وتنظيم الحملة الطبية لمكافحة أمراض العيون، التي تستهدف علاج مئات المستفيدين حيث تأتي ضمن المشروع الطبي لمكافحة العمى في القارة الإفريقية الذي تعمل عليه رابطة العالم الإسلامي.
_________________________________________
المحجوب بنسعيد، باحث في الاتصال والحوار الثقافي