-س: بدا أنك مرهق بعد خروجك من الإقامة الجبرية يوم 7 سبتمبر وأنت هنا في باريس لإجراء فحوصات طبية بعد خضوعك لعملية قسطرة في القلب قبل أشهر، كيف تشعر حالياً؟
-ج: أشعر بأن صحتي أفضل بكثير من ذي قبل، خاصة خلال سجني وقد طمأنني طبيبي هنا في باريس، حيث أكد لي نجاعة التدخل الذي قام به زملاؤه في نواكشوط. صحتي تتحسن رغم أنني لم أعد بنفس الوضعية التي كنت عليها قبل سجني الذي عانيت خلاله الضغوط.
عانيت بسبب الحرمان من كل شيء، لم يكن لدي مذياع ولا تلفزيون وكانت هناك كاميرات مراقبة موجهة نحوي وتم تثبيت جهاز تشويش لمنع كافة أنواع الاتصالات المحتملة. هذا بالإضافة إلى أنني منعت من زيارة أي كان باستثناء فريق المحامين المدافع عني وأفراد من عائلتي المقربة.
-س: هل قدمت ضمانات للعدالة قبل مغادرتك؟
_ج: لا، طلبت فقط إعادة جوازي سفري وهو ما تم بسرعة. لم أقابل أي أحد لا من السلطة القضائية ولا من السلطة التنفيذية.
في المطار الذي كنت وراء إنشائه، منعوني من إدخال سيارتي الشخصية إلى المنطقة المخصصة للشخصيات المهمة. الأمر لم يزعجني بقدر ما أضحكني. أذكر أنه في مجلس الوزراء طلب مني تسمية المطار باسمي، لكنني أجبت بأن الأمر غير وارد فلست ممن يقومون بشخصنة الأمور.
-س: رغم أن إطلاق سراحكم أعلن عنه يوم 6 سبتمبر إلا أنه لم يتم سوى في اليوم الموالي، هل كانت هناك مفاوضات خلال هذا الوقت؟
-ج: لم تكن هناك أي مفاوضات على الإطلاق، لم أستقبل أي شخص ولم يتواصل معي أي كان. ليست هناك أي صفقة لا مع الدولة ولا مع العدالة. بالمناسبة لم يكن هناك تحقيق جدي، فحتى قبل صدور قرار قضائي، قامت الشرطة بإفراغ حساباتي وتجميد كافة ممتلكاتي وممتلكات زوجتي وأولادي وبعض أقاربي وبعض أصدقائي. كل هذا تم بتفويض من المدعي العام.
-س: تم تسليمك مفاتيح إقامتك في بنشاب
-ج: ما حدث هناك هو فوضوى مطلقة. كان لدي مخيم متنقل يتضمن سيارة من نوع لاند روفر ومزرعة تتكون من 500 إلى 600 نخلة، بينها 200 نخلة أهداني إياها أمير إماراتي. كل هذا أمر شرعي. لقد بدأت في إنشاذ هذه المزرعة عام 2003 بترخيص من وزارة البيئة وكنت أقضي هناك عطلة الأسبوع. عندما جاءوا هناك، قامو بتخريب المكان وأغلقوه واحتفظوا بالمفاتيح تاركين خلفهم كل شيء. كانت لدي غزلان و 22 جاموسة جلبها لي صديق من البرازيل ولم يتبقى منها الآن سوى 3 أو 4. كانت لدي أيضا 40 بقرة ولد تعد لدي سوى 7 أو 8. ماكنية إنتاج الأعلاف لهذه المواشي لم تعد تعمل بسبب الأتربة ولم يتم إصلاحها، بالإضافة لأنه لم تعد هناك كهرباء لضخ المياه في المكان.
-س: التهم الموجهة لك من الخطورة بمكان، هل أنت على استعداد لقبول التسوية الودية إذا تم عرضها عليك؟
-ج: الأمر الذي سينقذ البلاد وينقذني بإعادة كرامتي، هو إجراء محاكمة. لكن ينبغي أن تتحلى الدولة بالشجاعة وتنسحب من القضية وتترك القضاة النزيهين يتولون أمرها. لا يمكن إدانة شخص دون أدلة ولا توجد أي أدلة ضدي. هناك الكثير من الأمور التي لا يمكنني قولها لأنني حريص على حماية بلدي، لكني حين أجدني مجبرا على ذلك سأفعل. في حال تمت محاكمتي من طرف نفس القضاة الذين تم اختيارهم، سيتم الحكم علي بشكل جائر وسيتم سجني وهو أمر لن يفاجئني وأنا مستعد له. لكن في يوم ما، سيتم الاعتراف بذلك وسأحصل على جبر الضرر، طال الزمن أو قصر، ولهذا السبب سأعود بشكل طوعي إلى بلدي.
-س: إذا لن تطلب اللجوء؟
-ج: لا، رغم أن طبيبي نصحني بعدم العودة لأسباب صحية ورغم أن دولا عرضت علي استعدادها لاستقبالي. سأعود لبلدي إذا أعطاني الله الحياة، وإذا وافتني المنية سأطلب كذلك نقلي إلى موريتانيا.
-س: هل تلقيت الدعم من طرف بعض قادة الدول؟
-ج: لا، لم أطلب ذلك.
-س: تم تعجيل الانتخابات المحلية إلى فبراير 2023 هل تخطط لتقديم مرشحين تحت يافطة حزب الرباط الوطني، الحزب الذي انضممت له عام 2021
-ج: في البداية، لا أستوعب تنظيم انتخابات مبكرة في وقت ما تزال فيه الحالة المدنية غير جاهزة. أغلب بطاقات التعريف لدينا باتت منتهية الصلاحية ولم يعد لدينا حسب ما يتضح أكثر من 6 أشهر لتجديدها. هناك مواطنون لن يكن بإمكانهم التصويت وهو ما يجعلنا نتوقع أن تقوم الدولة بالتزوير. هذا بالإضافة إلى أن الاقتراع المرتقب لن يعكس المشهد السياسي لأن العديد من الشخصيات المعارضة التي تم حل أحزابها وتلك التي لم ترخص أحزابها، لا يمكنها المشاركة وأغلب التشكيلات السياسية المرخصة موالية للنظام.
-س: هل تنوي المشاركة رغم كل شيء؟
-ج: سنشارك في هذه الانتخابات ونقوم بما يمكننا القيام به رغم هذه المعوقات. إما أن تنظم الدولة انتخابات حرة وشفافة وفي هذه الحالة ستخسر الحكم لكنها ستنقذ البلاد، أو تنظم انتخابات مغشوشة وحينها ستخسر كذلك وتضع استقرار البلد في خطر أو تهدد وجوده، وفي كلتا الحالتين ليست هناك أي مصلحة في تنظيم الانتخابات بهذه السرعة.
-س: هل سيتم في النهاية تنظيم مؤتمر حزب الرباط؟
-ج: نعمل حالياً على تنظيمه. مهما يكن فإنني ربما لن ألزم نفسي بحزب معين، بل سأدعم كل من يسعى للتغيير السلمي في البلاد. صحيح أنني أقرب لهذا الحزب على اعتبار أن عددا من المناصرين لي انتموا له حين لم نجد إطارا سياسيا.
-س: إذا نتوقع تحالفات جديد، مع بيرام الداه اعبيد مثلا؟
-ج: هذا الأمر ليس مطروحا بالنسبة لي، لأنني مع التغيير السلمي
-س: أنت تخطط للعودة للسياسة لكن قد تتم محاكمتك وعليك الإجابة على السؤال المتعلق بمصدر ثروتك؟
-ج: هذا السؤال يطرحه على الجميع، لست الوحيد الذي يمتلك المال في موريتانيا ومع ذلك أنا الوحيد الذي يسأل عن أمواله. إذا تقررت محاكمتي فأستحدث عن الأمر أمام العدالة وفي انتظار ذلك لست ملزما بالإجابة على سؤال أي كان حول مصدر أموالي.
-س: حسب تسريبات تتعلق بالتحقيق، تقدر ثروتك بحوالي 90 مليون دولار تحصلت عليها بطرق غير شرعية علاوة على أملاك ثابتة معتبرة؟
هذه الأرقام فلكية، لأنهم قاموا بتقدير قيمة منازل تعود لي وأخرى لا تعود لي أيضا؛ بشكل مبالغ فيه. من بين ممتلكاتي الخاصي هناك مزارع قمت ببنائها منذ أكثر من 20 سنة وليست لها أي قيمة مالية، لكن لها قيمة رمزية كبرى بالنسبة لي ولا أبيعها بأي ثمن حتى ولو كان 100 مليون لأنني أنجزتها بعرق جبيني وبدأ بنفسي حين كنت ضابطا شابا عام 2003، بزراعة النخيل فيها. تم كذلك رفع أثمان سيارات لا يعرف مصدرها وهذا الأمر اعترف به أمامي مدير شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية حينها.
-س: لكن هذه التسريبات صدمت الرأي العام وأضرت كثيرا بصورتك...
-ج: أكيد، عندما يقال إنني نهبت أموال البلاد في وقت يعاني فيه مواطنون البؤس، فمن البديهي أن يضر ذلك بصورتي. بيد أن كل هذا الأمر تم افتعاله من طرف الدولة ومن طرف مصالح الشرطة والأمن. هذه قضية سياسية!
-س: هل تعتبر أن تسييرك للبلاد لم تكن به شوائب؟
-ج: إطلاقا؛ لا شيء، وأتحدى أي شخص وزيرا أول أو وزيرا أو مديرا أن يثبت أنني أعطيته أمرا مخالفا للقانون. لم أمنح أيضا أي صفقة تراضي، ولم يكن ذلك من صلاحياتي بل كانت هناك مصالح إدارية تتولى ذلك. عندما نبحث في الملفات ندرك سريعا أن كل ذلك حدث عن جهل وانعدام كفاءة.
لنأخذ على سبيل المثال صفقة الخط الكهربائي الرابط بين نواذيبو ونواكشوط. عندما كنت رئيسا جعلت البلاد تكسب 38 مليون دولار من هذه الصفقة التي بلغت قيمتها 148 مليون دولار، والآن ينتقدون قضية فساد!. لنأخذ أيضا صفقة بناء المطار، عدد الهكتارات التي تنازلت عنها لا تثمل نسبة 5 إلى 10% ما قام واحد من الرؤساء السابقين لي ببيعه دون مقابل وبمبالغ رمزية تبلغ 200 أوقية للمتر المربع.
في النهاية، ينتقدونني لأنني قمت بإزالة حي يضم مباني قديمة توشك على الانهيار وكانت تشكل خطرا، في هذه أيضا استطاعت الدولة الحصول على 6 مليار أوقية ويتحدثون عن نهب المال العمومي؟
-س: لماذا لم تقم بتوضيح ذلك للمحققين؟
-ج: لقد قدموا لي 12 مفوض شرطة ورفضت التجاوب معهم على الفور لأن مفوض شرطة أمن مساعد كان ضمنهم ولا علاقة له بالموضوع. فقط ضباط الشرطة القضائية المكلفون من طرف المدعي العام هم من يمكنهم مساءلتي. بقي أنني لم أتعاون معهم لأنني محمي بشكل مطلق بموجب المادة 93 من الدستور. تم إعطاؤهم تعليمات بسحقي لأسباب سياسية
-س: كيف تسعى لكسب الموريتانيين؟
-ج: أغلب المواطنين لا يصدقون الأمر. ليست لدي أي مشكلة مع الرأي العام. حين كنت رئيسا للبلاد، كنت الرئيس الوحيد الذي يتجول في شوارع نواكشوط في السيارة وعلى الأقدام في الأسواق وفي الملعب دون حراسة، وحتى عندما تركت السلطة ظل الأمر كذلك.
-س: إذا أتيحت لك الفرصة؛ هل كنت ستتصرف بشكل مختلف؟
-ج: لا، لأنني ما زلت على قناعة بأن كل ما قمت به كان سليما. لا ننجح دائما فيما نطمح له وهذا أمر طبيعي، لكنني تصرف بكل قناعة.
-س: كنت ضمن المبادرين بإنشاء مجموعة دول الخمس في الساحل، بالنظر للتطورات الأمنية الحاصلة في المنطقة، هل ينبغي إعادة تفعيل المجموعة أم أن ذلك تضييع للجهد؟
-ج: ينبغي أن نحاول كل شيء لتسوية المشاكل، لأنه عندما ننسحب سيحدث الأسوأ. يمكننا أن نقنع الماليين بالعودة إذا بذلنا الكثير من الجهود وبحكمة.حين يتفق الماليون بينهم أولا سيسهل ذلك الأمور.
_س: لكن من ما زال باستطاعته إقناع آسيمي غويتا؟
-ج: الأمر صعب فعلا لأن هناك أزمة فقدان ثقة. انخراط غويتا إلى جانب الروس، أبعده عن نظرائه الأفارقة لكن يمكن دائما إيجاد طريقة لإقناعه. هناك دول أخرى أيضا في ورطة، حدث انقلاب آخر في بوركينا فاسو والوضع في غينيا كوناكري ليس جيدا، لكن يجب تفهم هؤلاء ومحاورتهم لمحاولة إنقاذ المنطقة.
-س: هل هناك دور معين يمكن لموريتانيا أن تلعبه؟
-ج: أكيد، بغض النظر عن علاقات الجوار التاريخي التي تربطها بمالي؛ فهي معرضة للتضرر لأن الإرهابيين لا يعرفون الحدود وهو متحدون في حين أن الدول غير متحدة. أنا لست راضيا عن النشاط الدبلوماسي لموريتانيا، أصبحنا شبه مشلولين، لا نتحدث ولا نتحرك ولم يعد صوتنا مسموع.
-س: هل كان خلفك الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني محقا عندما رفض التموقع إلى جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إزاء مالي؟
-ج: لو كنت مكانه لفعلت نفس الشيء للبقاء على تواصل مع الماليين ولن أخنق 15 مليون شخص لأن ذلك لن يخدم المنطقة. يجب أن نسهل حياة الماليين فهم جيران لنا وجميع المشاكل التي يواجهونها ستنعكس على المنطقة.
-س: هل يمكن أن يكون داخل الجيش الموريتاني غويتا أو دومبيا أو تراوري؟
-ج: لا ينبغي أن نستبعد أي شيء، يمكن أن نتوقع كل شيء.
-س: في الأخير؛ هل يمكن أن تنتشر قوات من مجموعة فاغنر الروسية في موريتانيا؟
-ج: ليس في البلد الذي تركته، خلال فترة حكمي، لم يكن هناك حتى جنود فرنسيون وقمنا بمعالجة مشاكلنا الأمنية بأنفسنا وبوسائلنا المحدودة. لا أتمنى أن تأتي فاغنر ولا دولة أخرى للقيام بالعمل الأمني في موريتانيا، لأنه لا أحد يمكنه القيام بذلك أفضل من الموريتانيين أنفسهم.
-----------
ترجمة: السفير