التسامح يعزز التفاهم بين الشعوب | صحيفة السفير

التسامح يعزز التفاهم بين الشعوب

أربعاء, 16/11/2022 - 16:09

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء عام 1996 إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 نوفمبر، وجاء هذا الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في عام 1993، بأن يكون عام 1995 سنة الأمم المتحدة للتسامح، وقد أعلنت هذه السنة بناء على مبادرة من المؤتمر العام لليونيسكو في 16 نوفمبر 1995؛ حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح. وحسب إعلان المبادئ بشأن التسامح فإن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا.

وبهذه المناسبة أعلنت الأمم المتحدة اليوم عبر موقعها الرسمي أنها " تلتزم بتدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب. وتكمن ضرورة هذا الالتزام في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كذلك، وهي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى خصوصا في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتجاهل الحياة البشرية. "

وفي الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو كتبت السيدة أودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو "التسامح في الواقع حالة ذهنية ووعي، بل هو لزوم أيضاً؛ وقوامه أن يدرك المرء أن التنوع الثقافي يمثل عامل إثراء لا عامل انقسام؛ وأن يعي أن كل ثقافة، بما فيها من اختلافات مباشرة وبادية للعيان، تنطوي على سمة عالمية وكأنها تتحدث بلغة تنطق بها الإنسانية جمعاء."

واستجابة لدعوة الأمم المتحدة ، دأبت المنظمات الحكومية وغير الحكومية على الاحتفال في السادس عشر من نوفمبر كل سنة، باليوم العالمي للتسامح، باعتباره مبادرةً دوليةً للتذكير بقيم التعايش والوئام وبناء السلام العالمي، خاصة وأن شعوب العالم تمر بمرحلة دقيقة من التطور الإنساني ومن المتغيرات المتلاحقة على شتى المستويات، وتتطلع إلى تعزيز قيم التسامح لتكون سياجاً واقياً من الانغلاق والغلو والتطرف. لقد ازداد الوعي الدولي بأن مفهوم التسامح يتسع للقضاء على أسباب التوتر واضطراب الأمن وتهديد السلام، وأن التسامح هو روح التعايش بين الأمم والشعوب على اختلافها في الأعراق والألوان والمعتقدات. واقتنع دعاة السلام و من قيادات سياسية ودينية ومفكرين وخبراء أن تعزيز قيم التسامح هي مسؤولية مشتركة بين دول العالم، تتحمل القسط الأكبر منها القوى العظمى، التي يتوجب عليها أن تكون وفية لقواعد القانون الدولي، وملتزمة بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومحافظة على الأمن والسلم الدوليين . وفي المنتديات الدولية وعبر مختلف وسائل الإعلام تمت مناشدة المجتمعَ الدوليّ بمنظماته الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني للتدخلَ لوقف المجازر والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ترتكب في مناطق شتى من العالم، وتكثيف الجهود وتنسيقها من أجل نشر قيم التسامح لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى حلول في ظل احترام حقوق الإنسان والعيش المشترك.
كما تم الـتأكيد على الدور المهم للمؤسسات التربوية والإعلامية في نشر قيم التسامح والعدل والسلام، وتربية النشء على أن التسامح يعني الاحترام المتبادل والقبول بالآخر والتقدير للتنوّع الثقافي بين الأمم والشعوب ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية، وأن التسامح يتعزز بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل واجب سياسي وقانوني أيضاً.

من جهتها واظبت المنظمات الإسلامية على الاحتفال باليوم الدولي للتسامح ، ايمانا منها بأن الإسلام جاء بمبادئ الأخوة الإنسانية وبقيم التسامح والتعايش، ودعا إلى محاربة التعصب والكراهية والانغلاق، ترسيخاً للسلم الاجتماعي والسلام العالمي، ودعماً للعناصر المشتركة بين الثقافات الإنسانية، وأن الشريعة الإسلامية أكدت على حق الإنسان في أن يحيا بكرامة في كنف الحرية والعدالة، وينفتح على الآخر في إطار الاحترام المتبادل والاعتراف بحق الاختلاف.

وفي هذا السياق احتفل مركز صوت الحكمة التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، باليوم الدولي للتسامح. ، وأكد في هذه المناسبة على المبادئ الأساسية التي تنطلق من قيم التسامح، باعتبارها من غايات منظمة التعاون الإسلامي ومبادئها التي تقوم عليها، ويعبر عنها ميثاقها، والذي يدعو ضمن أهدافه إلى تعزيز احترام التنوع وقيم الاعتدال والتسامح والسلم والتعايش فضلا عن بناء جسور التقارب بين المجتمعات.

من جهتها حرصت منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم – إيسيسكو- في مناسبات عديدة على إبراز علاقة التسامح بحقوق الإنسان والتعددية، بما فيها التعددية الثقافية، والتعريف برؤيتها الداعية إلى تعزيز التسامح واتخاذ المواقف القائمة على الانفتاح والتضامن الإنساني، عن طريق مناهج ومقررات التربية والتعليم في مختلف مراحلها . ومن أهم الوثائق المرجعية للإيسيسكو في هذا المجال وثيقة " مسار المنامة لتفعيل العمل الثقافي الإسلامي المشترك لمواجهة التطرف والطائفية والإرهاب» التي اعتمدتها الدورة الاستثنائية للمؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة في مدينة المنامة خلال شهر نونبر من عام 2018 . وفي هذا الإطار نظمت الإيسيسكو يوم الأربعاء 16 نونبر الحالي في مقرها بالرباط احتفالية دولية بشراكة مع المرصد المغربي حول التطرف والعنف، ومعهد الدانوب (هنغاريا) . وفي كلمة ألقاها في افتتاح الاحتفالية أكد الدكتور سالم بن محمد المالك أن التسامح الذي دلت عليه الشرائع والأديان جميعا، هو إحساس فطري في الذات السليمة والنفوس العظيمة، حيث إن للتسامح قوة إشعاع في جميع مناحي النشاط الإنساني وأنماطه ، مشيرا إلى أن الإيسيسكو تضع الشباب والأطفال في محور أنشطتها بهدف غرس خُلق التسامح لديهم، وإعلاء صوت الحكمة المنادية بإشاعة روح التآخي والوئام، وإسكات طبول العنصرية والتعصب والكراهية، داعيا إلى ضرورة تضمين مناهج الدراسة في العالم أجمع مواد متخصصة في التسامح، ومفهومه وأدواره وضروراته.

وتعد رابطة العالم الإسلامي من أهم المنظمات الإسلامية التي تولي عناية فائقة لموضوع التسامح . وفي هذه المناسبة نشرت على موقعها الإلكتروني بيانا يبرز موقع السماحة في وثيقة مكة المكرمة التي حملت جملة من مبادئ السماحة الإسلامية لحفظ السلام والوئام العالمي . ومن أهم هذه المبادئ رفض العبارات والشعارات العنصرية ، واحترام التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية ، والدعوة لسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والصدام ، والوعي بأن الاختلاف بين الأمم والشعوب في معتقداتهم وثقافاتهم وطبائعهم وطرائق تفكيرهم قدر إلهي وسنة كونية ، والاقتناع بأن الحوار الحضاري بما يشتمل عليه من بناء الجسور أفضل السبل إلى التفاهم السوي مع الآخر والتعرف على المشتركات وتجاوز معوقات التعايش ، وترسيخ قيم المواطنة الشاملة باعتبارها استحقاق تمليه مبادئ العدالة لعموم التنوع الوطني يحترم فيها الدستور والنظام .

في كثير من محاضرات وتصريحات الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أكد بأن أتباع الأديان والثقافات أحوج ما يكونون اليوم إلى تغليب روح التسامح والاحترام والتعايش الحضاري ، والتعاون الوثيق من أجل مواجهة المتطرفين وتجار الأديان ، وبناء الثقة من خلال حوار فعال متحرر من رواسب الماضي ، من أجل تعزيز تواصلهم الإنساني وتلاقيهم وتعاونهم في إطار المشتركات والمصالح .وأوضح كذلك بأن تحقيق تلك المساعي ممكن بفضل الجهود الصادقة المنبثقة من حسن النوايا للتعريف بقيم التسامح التي تتمحور حول الحوار والتعايش والتواصل بين الأمم وليس الحروب والمواجهات والتعصب الفكري والتطرف الديني، وأن التسامح ليس ضعفا أو استسلاما للآخر أو تنازلا وتفريطا في الحقوق ، وإنما هو ارتقاء بنوازع النفس من أجل تحقيق السلم الاجتماعي والأمن الفكري والتعايش بين البشر

وفي (المؤتمر الدولي لمبادرات تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وآليات تفعليها ) الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي عام 2019 في مقر الأمم المتحدة بجنيف ، وصدر عنه ( إعلان جنيف ) تم الاتفاق على أن الصدام الديني والإثني والفكري والحضاري يمثل مخاطرة كبيرة تطال الأمن الوطني والسِّلْم العالمي، والوئام بين الأمم والشعوب بشكل عام، والمجتمعات الوطنية بشكل خاص. ومن أجل تفعيل دور التسامح في ذلك ، تم الاتفاق على " إنشاء مركز للتواصل الحضاري في جنيف ليكون منصة عالمية للحوار وتعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب وردم سلبيات الفجوات الدينية والثقافية والإثنية من خلال قاعدة المشتركات الدينية بخاصة والإنسانية بعامة التي تكفل لعالمنا العيش بسلام ووئام كما تمت دعوة القيادات الدينية في كل الأديان المشاركة في ترسيخ ثقافة التسامح في أوساط الشباب من خلال تنظيم فعاليات شبابية للحوار والعمل على المشتركات الدينية والإنسانية لدعم جهود السلام العالمي والوئام الديني والإثني وتعزيز التحالف الحضاري والتسامح الديني .

خلاصة القول إن المجتمعات اليوم في حاجة ماسة إلى نشر ثقافة التسامح داخل الأسرة أولا وفي المؤسسات التعليمية وعبر وسائل الإعلام المختلفة. كما يتعين إعادة النظر في بعض المرجعيات الفكرية المنغلقة والمتتشددة والتي تولد سوء الظن بين أبناء الحضارات المختلفة ، تحت ذريعة الخوف من التفرد والتأثير الثقافي للآخر. ويجب التركيز على نقاط الإلتقاء مع الثقافات والحضارات الأخرى بدلا من التركيز على مواطن الخلاف . ولكي تنتشر ثقافة التسامح بشكل فعال يجب العناية أكثر بمناهج ومقررات التربية على التسامح لتكوين أجيال متسامحة ، وبناء مجتمعات جديدة تقبل بالاختلاف الثقافي والديني وبمتطلبات العيش المشترك.

---------------
د. المحجوب بنسعيد/ باحث في الاتصال والحوار الحضاري