لَعلهُ لَمْ تَقتَحِم السياسة بطولة رياضية مِنْ قَبل مِثلَما هوَ الحال في المونديال القَطري أول مونديال كُرَة قَدَم للكُبار يُقام في المَنطقة العرَبية.
مونديال كالمَنطَقة التي يُلعَب عَلىَّ أراضيها مَلئ بالمُشاحنات والمُجادلات الأيدولوجية والفكرية والدينية.
** بدأت هَذهِ المُشاحنات حَتىَّ قَبل أنْ تَبدأ البطولة باستبعاد المُنتخَب الروسي لكُرة القدم مِنْ المُشاركة في البطولة بِسَبب الحَرب الأوكرانية في بلطَجة واضحة مِنْ الدول الغَربية وإقحام غَير مُتعارف عَليهِ للسياسة في الرياضة عَلىَّ الأقل في الألفية الجَديدة واستخدام مُعتاد لخاصية المعايير المُزدوجة مِنْ قِبل المُعسكَر الغَربي!
وعندَما اقتربت البطولة مِنْ الانطلاق لاحت في الاُفق أزمة "سياسية" جَديدة عقِب إعلان قَطر رفضها استخدام الاشارة المُسماة one love الخاصة بدَعم المثليين عَلىَّ أراضيها ودَعم الفيفا للقرار القَطري وتهديدهُ بفَرض عُقوبات عَلىَّ اللاعبين الذين يرتدونها واصرار غريب مِن الدول الأوربية ولاعبيها عَلىَّ الحَديث في هَذاَّ الأمر وخَلق توتر قَبل البطولة والالتفاف عَلىَّ القَرار القطري باستخدام هَذهِ العلامة مِن قِبل مسئولين أوربيين لهُم حصانة دبلوماسية مثلَما فعَلت - وزيرة الداخلية الألمانية - أو التعبير عَنْ رَفض القَرار بإشارات وايحاءات اثناء المُباريات مثلَما فعَلَّ المُنتخَب الألماني!
ولأننا في الشَرق الأوسَط اختلَط "الحابِل بالنابِل" وتحوَلَّ الأمر إلى سِجال ديني في حينْ أنَّ المثلية الجنسية مُشكلة مُجتمعية وليست دينية مُنتشرة في العالَم كُلهُ حَتىَّ داخِل دول الخليج العربي!
حَسناً قالَّ بَعضْ مِنْ قادَة المُنتخبات انهُم هنا للعب كرة القدم وليس اعطاء "دروس" للآخرين.
حَتى المؤتمرات التي تَسبق المُباريات لَمْ تَخلو مِنْ أسئلة سياسية تَمَّ توجيهها لمُدربين كُرة قَدم مثلما حدثَّ مَعَّ مُدرب المُنتخَب الإيراني البرتغالي كارلوس كيروش.
ومِنْ ناحية أُخرى فإنَّ دوافِع قَطر مِنْ تَنظيم هَذاّ المونديال مِنْ الأساس هيَ دوافع سياسية في غالبيتها تُغلفها بدوافِع دينية لتسويقها للعامة كأسلوب مُعتاد للتيارات الدينية التي أصبحَت تتبناها قَطر في السنوات الأخيرة بَعد انْ تخَلت عَنها المَملَكة العَربية السُعودية.
أنفقَت قَطر عَلىَّ هَذاّ المونديال أكثَر مِنْ مائتي مليار دولار وفق تقديرات إعلامية والبعَض يقول أكثَر واخرون يقولون أقَل ولَكَن في النهاية أيما كانَّ الرقَم الصَحيح فهوَ رقَم كَبير جداً لاّ يقَل عِنْ مائة مليار دولار خاصَة لَو علِمنا أنَّ أكبَر تَكلُفة لمونديال سابِق هيَ خَمسَة عَشر مليار دولار وهيَ تَكلَفَة مونديال البرازيل 2014.
قَطر التي لا تتعدىَّ مِساحتها الاثنتي عَشَر ألف كيلو مِتر مُرَبع وتِعداد سُكان أصليين لا يَزيد عَنْ النصِف مليون نسَمة أنفقَت هَذاَّ "المبلَغ" للبحَث عَنْ نفوذ سياسي في مَنطقة لاّ تُمثل فيها حجماً جُغرافياً ولا سُكانياً ولا ثَقافياً!
علما بأن هَذا "المَبلغ" كافي لانتشال ثَلاث دول اسلامية مِنْ خَط الفقَر وهيَ موريتانيا وجيبوتي والصومال وهوَ أكبَر مِنْ حَجم ديون دولة بحَجم مصر!
لاّ أعرف تحديداً حَجم العائِد المادي الذي يُمكِن لقَطر أنْ تُجنيهِ في نَهاية هَذهِ البطولة ولكَني أعرف أنَّ أعلىَ إيراد مادي سَنوي لدولة مِنْ السياحة الخارجية هوَّ رقَم يقترَب مِنْ السَبعين مليار دولار تُحققهُ غالباً دول إسبانيا وفرنسا وإيطاليا.
ولكَي تَخرُج قَطر مِنْ ذلك الاتهام بالسفَه والتَبذير والتساؤل أليس فُقراء العالَم العَربي والاسلامي أولىَ بهذهِ الأموال !؟
صدَرت قطر خِطاب شَعبوي تعشَقهُ شُعوب هَذهِ المَنطَقة مفادهُ أنَّ الغرَض مِنْ تَنظيم هَذهِ البطولة هوَّ نَشر الدين الإسلامي وانتشرت أخبار عَنْ استجلابها الداعية الهندي ذاكر نايك ذائع الصيت داخِل الأوساط الشعَبية في المَنطَقَة وتوزيع كُتب ومصاحف مجانية لنشَر الإسلام وتَصدير أخبار يومية تتمحور حولَّ أسلمة مئات من البَشر اثناء المونديال القَطري!
حَقيقة أنَّ ما يحدُث في هَذا المونديال ومحاولة فرض قَيم ومبادئ مُعينة مِنْ الدول الغَربية عَلىَّ العالَم أجمَع بِداعي الحُرية وإقحام الرياضة في ذّلك هوَ سابِقة خَطيرة ونَذير خَراب بتحويل الملاعِب والمُنافسات الرياضية إلىَّ مكانْ للمُجادلات الفكرية والأيدولوجية.
أماّ بالنسبة لقَطر وباقي الدول العَربية رُبَماّ لا تتوافر لهُمْ فُرصَة أُخرى لتَنظيم بُطولات عالمية فلذلكَّ تأثير تصرفاتهم محدود عكس أوربا التي تُنظم سنوياً العَديد مِنْ البُطولات الرياضية التي يُتابعها مليارات حولَّ العالَمْ.
ولنَنتَظر معاً لنرى ماّ ستجنيهِ قَطر أمام هَذاّ الكَم الهائِل مِنْ الأموال .. هَلْ سيكون مردود سَلبي ام إيجابي !؟