كُنّا في اليمن حكومة وشعباً وأحزاباً وعلماء وبعض الزعامات القبلية والضُّباط والجنرالات من ذوي الأوزان والأحجام الثقيلة، ومعهم مجموعة لا بأس بها من المثقفين والصحفيين نسعى دائما لكسب رضا السعودية ،حتى قِيل إن أناس من أتباعها المخلصين وممن قالوا ذات مرّة:( لحم أكتافنا من خير السعودية ) قد وصل بهم الحال أحياناً للذهاب للوضوء قبل أن يذكروا اسمها أواسم ( مليكها ).
مع العلم، ومن باب الإنصاف ، إن هذا الودّ الإلزامي وحب إرضاء من يُعتبررضاه مستحيل المستحيلات وغاية الغايات التي لن تُدرك ، كان عنواناً عريضاً وسائداً،ولم يكن متوقفاً فقط، على الاسماء التي تضمّها كشوفات (اللجنة الخاصة )،إنما هو أشبه ما يكون بنهج سياسي يتقيُّد به غالبية اليمنيين تلقائيا، من باب المصلحة العامة وإبداء حُسن النية تجاه شقيق ثري وخبير جدا في زرع القلاقل والفتن، والتفنن في إيذاء الآخرين ونسف استقرارهم وشراء الكوراث لهم وزرعها على أيدي نخبهم من خلال( اللجنة الخاصة ) ومكتب المخابرات في سفارتها في صنعاء وغيرها من الأساليب بما فيها الترغيب والترهيب والاغتيالات.
على كل.. معروف عن اليمنيين إنهم من أكثر شعوب الأرض طيبة وكرماً وشهامة، حتى مع من يضمر لهم الكراهية ولعلكم تتذكرون هنا الأخبار التي تحدثت قبل سنوات- وفي غير مناسبة – عن محارق جماعية تمت لمواطنيين يمنيين في مزارع عسير والطائف وجيزان ،إلى جانب شنق وصلب العشرات منهم في الساحات العامة،وغيرذلك من الأحداث والجرائم التي تُرتكب بحق أبناء هذا الشعب الذين ظلوا يقابلونها بالمبدأ الدائم ،حُسن الظن وضبط النفس ومراعاة مشاعر الجاني .
كما أتذكّر في هذا السياق أننا كُنّا في وسائل الإعلام الرسمية وكثير من الحزبية والأهلية ،لا نذكر اسم السعودية، أو اسم الملك الفلاني والأميرالفلاني هكذا ناشف بدون مقدمات طللية نخلع ونخترع لهم من خلالها الأساطير والمفردات التي تحمل معاني وصفات وألقاب بها من التعظيم والتبجيل والإجلال ما يكفي لصهر الحديد، الحديد فقط ،أما تلك الخامات من الحديد البشري فلا، والدليل على ما نقوله إن كافة السياسات والانبطاحات التي قمنا بها ذهبت أدراج الرياح وبقي ( أبو يمن ) عاجزاً عن سبر أغوار (الأشقاء) وكسب ودّهم وبناء جسور وعلاقات ندية معهم تتسم بالديمومة والشراكة ومبنية على الثقة والاحترام المتبادل..
وتعالوا نضرب لكم على ذلك بأمثلة حقيقية ومعاشة حتى الساعة ،ففي الوقت الذي كانت تُهان فيه كرامة وإنسانية المواطن اليمني في السعودية وبقية الدول الخليجية التي يستخدمون فيها،رسمياً وشعبياً ،مفردات معينة خاصة بمن يحملون الجنسية اليمنية ، وجُلّ هذه المفردات بالطبع، من قواميس الكبرياء والتحقير والتهكم ،لعل أفضلها وأكثرها رُقيا وحنّية ( أبو يمن )،( اليماني المعفّن ) ،( الأجنبي )، (الزيدي ) ،(الخسيس )، رغم كل ذلك كان المواطن الخليجي/ السعودي يأتي لليمن،سواء للسياحة، أولأجل مضغ أوراق القات ،أوللزواج السياحي الذي حدث في فترة معينة، ويُعامل بكل تقدير وإحترام وكرم لاتجد له نظيرا في أي مكان آخرفي العالم، الجميع يحرص على أن لا يتعرّض للأذى ، أو يسيء أحدهم معاملته، والكل يحرسونه ويهتمون به ،ومن يمتلك منّا العسل البلدي ، البن البلدي ،السمن البلدي ،الخروف البلدي ،اللوز البلدي، الزبيب البلدي ، العقيق اليمني يُسابق الآخر لكي يُعطيه للشقيق والضيف السعودي / الإماراتي / الخليجي، ولا يُمكن أن يأخذ له مقابلاً مالياً، إنما يقدّمه كرما منه وعن طيب خاطر،ولا فرق عندنا في درجة الحميمية وتقدير المواطن السعودي/الخليجي ،سواء كان زائرا،أو دبلوماسيا،أو مندوبا للمخابرات العامة أوكاتب تقارير وووو الخ ..
وفوق كل هذا وذاك وقعنا معهم إتفاقية حدودية تم بموجبها ترسيم الحدود وبااااااااي باااااي معاهدة الطائفة التي جرت بيننا وبينهم في العام 1934مـ.
وكي أقرب لكم الصورة أكثر، فعندما كان ، على سبيل المثال ، يُهان مواطنونا وشعبنا ويتم إغتيال قياداتنا وزعمائنا، نتسلح بمزيد من الصبروالحكمة، ونغدق على الأشقاء بالحب ولين الجانب و( نقبل الكفّ التي تغتالنا) ، محاولين تناسي جراحاتنا على الدوام،وفي مناسبات عديدة يُبادر المشمولون بعناية ورعاية ( اللجنة الخاصة ) لاجتراح التبريرات من العدم من أجل إستمرار قافلة المحبة ونعيم ( الكشوفات ) اللعينة من جهة ، وإتقاء ردة فعل الغول الشقيق ومكائده، من جهة ثانية، رغم علمنا إنه لم ولن يعمل شيئا لمصلحتنا،ومع هذا ظلينا حريصين على التسبيح بحمده بكرة وعشيا.
ويحكي إرشيف العلاقات اليمنية – السعودية ،المتعلق بالمناسبات والأعياد الدينية والوطنية، التي كان رئيس جمهوريتنا الطيبة ورئيس البرلمان ونوابه ورئيس الحكومة ونوابه ومشائخ القبائل ونوابهم يبرقون لقيادات المملكة ( الملك – ولي العهد ) ونواب رئيس مجلس الوزراء من النائب الأول وحتى العاشر ولرؤساء الدواوين الملكية والأميرية المختلفة وأمراء المناطق،ببرقيات التهاني والتبريكات التي كانت تصلهم قبل حلول المناسبات بساعات ،بينما ردّهم عليها كان يأتي بعد مضيها بأسبوع مثلا أو عدة أيام، ومع ذلك لم يمثل هذاالتجاهل وغيره مشكلة، أويكون مدعاة لتغير مشاعر الناس وسياساتهم نحوها،وإن كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح من أكثروأول اليمنيين ذكاء ومعرفة بنفسيات ونوايا (الشقيق السعودي) الذي كان يجب الاستعداد له ولمواجهته المحتومة، ونظن إن هذا الأمر هو ما قام به صالح واستعد له جيدا على عدّة أصعدة ومستويات.
نخلص إلى القول: هكذا جرت الإمور وإلى هذه الأوضاع آلت الأحداث التي ربما أن عددا من السياسيين اليمنيين وأصحاب التجارب كانوا يتوقعونها وهيأوا أنفسهم للتعاطي معها، لكن الذي لم يكن يتوقعه أحد في تصورنا ،هو أن يتعلق جزء وجانب من المعركة السعودية في اليمن بالصراعات الداخلية المحتدمة بين الأمراء الفاعلين داخل البيت السعودي الذين يصفّون بعض حساباتهم حاليا في بلاد السعيدة، تماما مثلما تُصفّي الرياض وطهران حساباتهما في سوريا والعراق واليمن ولبنان.. ومن طرفي أعتذر عن الخوض في هذه النقطة تحديدا ( تصفية الحسابات السعودية – السعودية في اليمن)، وأثق إن هناك الكثير من المراقبين على عِلم بها، ومن لم يتسن لهم معرفتها وتكوين صورة وافية عنها وعن طبيعتها،فلأيام كفيلة بكشف تفاصيلها كاملة وأحسبها لن تطول.
أكتفي بهذا ..وكل عام والجميع بألف خير وعافية.
عبدالكريم المدي
كاتب يمني