انتهى مونديال 2022 وفازت الأرجنتين بكأس العالم عن جدارة واستحقاق ، ونجحت دولة قطر نجاحا باهرا في تنظيمه تنظيما رائعا وغير مسبوق ، وفي استضافة ملايين الجماهير من كل بقاع العالم ، فشرفت بذلك العرب والمسلمين. كما شرفهم المنتخب المغربي بأداء لاعبيه البطولي، وبلوغهم المربع الذهبي ، وبالتعبير عن التزامهم الديني بالسجود لله شكرا إثر كل مباراة ، وعن ارتباطهم العاطفي والاخلاقي والوجداني بأمهاتهم وآبائهم.
لن أتناول فعاليات المونديال من زاوية المحلل الرياضي لخطط المدربين ولأداء اللاعبين ولمستوى التحكيم ، فذلك أمر تناوله المختصون في كثير من المقالات الصحفية، والبرامج التلفزية والإذاعية في كل أرجاء العالم . لقد اخترت أن أتحدث عن مونديال 2022 في علاقته بالصورالنمطية وخطاب الكراهية والحوار الثقافي والتعايش بين الشعوب.
منذ أن حظيت دولة قطر بتنظيم مونديال 2022 تعرضت لهجمة إعلامية شرسة من دول أوروبية امتزج فيه الاتهام بارتشاء أعضاء الفيفا وترويج الصورالنمطية السيئة عن العرب والمسلمين والادعاء بأن المونديال سيكون فاشلا ، بل تجرأت جهات أوروبية بالمطالبة بسحب التنظيم من دولة قطر والتهديد بعدم المشاركة بدعوى عدم احترام حقوق العمال الذين شاركوا في بناء الملاعب ، وتجاهلت هذه الجهات أن الشركات التي وظفت أولئك العمال أوروبية وليست قطرية. .
لقد أجمع المحللون والخبراء على أن مونديال قطر قدم جوانب مشرقة من الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين ، وأكد للرأي العام الدولي أن ما ارتكبه المتطرفون من غلاة أبنائنا من أعمال ارهابية داخل العالم الإسلامي وفي دول أوربية لا يعدو أن يكون تصرفات أجرامية من جماعات متطرفة باسم الإسلام وهو براء منهم . لكن جهات غربية عنصرية غاضها ذلك النجاح الباهر وتلك الصورة الحضارية التي قدمتها دولة قطر خلال استضافتها لفعاليات المونديال الكروية والثقافية والفنية . لم تستوعب تلك الجهات العنصرية مظاهر الاحتفال والتواصل والتعايش بين شعوب العالم طيلة أيام المونديال ، لأنها دأبت على الاسترزاق إعلاميا وانتخابيا من ترويج الصورة النمطية السيئة عن العرب والمسلمين.
لقد مارست بخبث بعض وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأوروبية نفاقا بغيضا وخرقا سافرا لأخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دوليا ، من خلال التركيز على قضايا سياسية وحقوقية عوض تزويد الجمهور بتقارير اخبارية موضوعية حول الاستعدادات الجارية لتنظيم المونديال وحول مجرياته و الاعتراف بما وفرته دولة قطر من تجهيزات وبنيات تحتية من الطراز الرفيع ، ومن خلال ترويج خطاب عنصري اتجاه بعض اللاعبين من أصول عربية وأفريقية . فعلى سبيل المثال هاجمت الصحافة الألمانية دولة قطر،واعتبرت إلباس عميد المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي “البشت العربي”، أمرا مخزيا . كما وصف صحفي في قناة تلفزية دانماركية اللاعبين المغاربة بالقرود في إشارة إلى عناقهم مع أمهاتهم خلال التعبير عن فرحتهم بالفوز. وقد اضطرت القناة التلفزية إلى الاعتذار لاحقا عن هذا التصريح العنصري المشين بسبب حملة استنكار واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي ، ولعلها قامت بذلك في تقديري بسبب إدراكها للزلة القانونية التي ارتكبها احد صحافييها وقد كان من الممكن متابعتهما قضائيا من الجهات المختصة في المغرب. ولم يسلم من التشهير العنصري في الصحافة الفرنسية لاعبو المنتخب الفرنسي من أصول افريقية إثر فوز المنتخب الأرجنتيني بكأس العالم .
من المفارقات العجيبة أن بعض وسائل الإعلام الأوروبية في حملتها للتشويش على استضافة قطر لفعاليات المونديال وترويج الصور النمطية السلبية وخطاب الكراهية والتمييز العنصري، ضربت بعرض الحائط الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات والتعايش بين أتباع الأديان واحترام التنوع الثقافي والديني للأم والشعوب . لقد أكدت هذه المرجعيات الدولية أن خِطاب الكراهيّة يشمل كلّ أشكال التعبير التي تحمل الكراهيّة ويتمّ تضمينها من خلال الصوت أو الصُّور أو النصوص، وتحمل نمطَيْن من الرسائل، النمط الأوّل موجَّه إلى مجموعة معيّنة للتقليل من احترام أفراد محدّدين، والثاني تعريف الأفراد الذين يحملون وجهات نظر ضدّ الأفراد المُستهدفين أنّهم ليسوا وحدهم . وفي هذا السياق عرفت اليونسكو خطاب الكراهية بأنه كلّ التعبيرات التي تؤيّد الإيذاء (التمييز أو العدائيّة أو العنف) أو تحرِّض عليه بناءً على انتماء الفرد إلى جماعة اجتماعيّة أو ديموغرافيّة. كما صنفته بأنه كل خطاب يُقلِّل من شأن الناس بناءً على أصولهم العرقيّة والاثنيّة أو الدّين أو الجنس أو العُمر أو المجموعة اللّغويّة أو الحالة البدنيّة أو الإعاقة أو التوجّهات الجنسيّة. وتتنوّع صُور خِطاب الكراهيّة لتشمل رسائل الكراهيّة، والرسوم ، وغيرها من الوسائط .
بالأمس حين نفذ متطرفون باسم الإسلام هجمات إرهابية في عواصم أوروبية أدان العالم الإسلامي ، حكومات ومنظمات ، تلك الهجمات وتعاطف مع ضحاياها ، وأعلن أن الجماعات المتطرفة لا تمثل المسلمين ولا تطبق الشريعة الإسلامية السمحة القائمة على الاعتدال والوسطية ، وانخرطت الجهات المختصة في محاربة الإرهاب في الدول الإسلامية في الجهود الدولية الهادفة إلى القضاء على هذا الخطر المهدد للأمن والسلم العالميين . آنذاك تساءلت منابر إعلامية غربية ( لماذا يكرهوننا) .
واليوم استضافت قطر المونديال وقدمت أروع الأمثلة في الكرم والتسامح واحترام عادات وتقاليد ضيوفها من مختلف بقاع العالم ومن مختلف الديانات والثقافات، لكنها لم تتهاون في الدفاع عن القيم العربية الإسلامية النبيلة والمطالبة باحترامها . ورغم ذلك ظلت أبواق إعلامية أوروبية تحتج وتنتقد وتروج خطاب الكراهية والتشويش والتدخل في الخصوصيات الثقافية والدينية والاجتماعية للبلد المضيف . ألا يحق لنا بدورنا أن نتساءل ( لماذا يكرهوننا) كلما طالبنا باحترام تقاليدنا وعاداتنا وثقافتنا وقيمنا الدينية والأخلاقية. لقد كان مونديال قطر امتحانا دقيقا ومحكا حقيقيا لمبادئ حقوق الإنسان والحوار الحضاري والتنوع الثقافي واللغوي والديني. وبقدر ما نجحت دولة قطر ومن خلالها العالم الإسلامي في الالتزام بهذه المبادئ ، بقدر ما فشلت بعض المنابر الإعلامية والقيادات السياسية الأوروبية في ذلك وتأكد بالملومس أنها لم تتخلص بعد من رواسب الماضي في أبعاده الاستعمارية والاستعلائية واحتقار الآخر والخوف منه .
من المهم أن أشير في ختام هذه المقالة إلى ظاهرة إنسانية أثارت إعجاب العالم خلال مونديال قطر وتتعلق بلاعبي المنتخب الوطني المغربي المقيمين في الدول الأوروبية الذين ساهموا في تغيير جانب من الصور النمطية عن الشباب المسلم في أوربا من خلال الاعتزاز بانتمائهم الديني وارتباطهم بوطنهم وتقديرهم لآبائهم وأمهاتهم . لقد استطاعت الجماعات المتطرفة الإساءة إلى صورة الشباب المسلم من خلال استقطاب عدد منهم والتغرير بهم والدفع بهم للإساءة لدينهم ولأوطانهم وتنفيذ عدد من التفجيرات الإرهابية داخل الدول الإسلامية وخارجها بدعوى محاربة الطاغوت .
لاعبو المنتخب الوطني المغربي قدموا خلال مونديال قطر صورة ايجابية عن الشباب المسلم المتخلق والمنفتح والملتزم بقيمه الدينية والاجتماعية ، وأكدوا للعالم أن الجماعات المتطرفة الكارهة للحياة وللتعايش بين الشعوب لاتمثل العرب ولا المسلمين .