بموازاة الدروس الحسنية ، نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتعاون مع مؤسسة دار الحديث الحسنية بمدينة الرباط في المملكة المغربية يومه الخميس 13 أبريل 2023 ، حفلا تكريميا للمرحوم العلامة الدكتور محمد المختار ولد أباه ،الذي وافته المنية يوم الأحد 22 ينايرالماضي في مدينة نواكشوط عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، عن عمر ناهز 98 عاما.
وحضر الحفل المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو- وسفراء عدد من الدول الإسلامية في الرباط ، ومدير مؤسسة دارالحديث الحسنية ، ورئيس جامعة شنقيط العصرية وعدد من العلماء والمفكرين والأساتذة والطلبة الباحثين من المغرب ومن بعض الدول العربية والافريقية.
وفي الجلسة الافتتاحية ،التي قام بتسييرها المدير العام المكلف بالدراسة والتكوين في مؤسسة دار الحديث الحسنية ، تناول الكلمة الأستاذ أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية ، أشاد فيها بمناقب المرحوم العلامة الدكتور محمد المختار ولد أباه وبأخلاقه وانسانيته وبعطاءه العلمي الغزيروثقافته الإسلامية والإنسانية الواسعة ، مشيرا إلى دوره الكبير في انطلاقة دار الحديث الحسنية وفي التأطير الأكاديمي لطلبتها على مدى سنوات ، ومبرزا أنه كرس حياته لخدمته عقيدته ووطنه موريتانيا وتعزيز علاقاته مع العلماء والفقهاء المغاربة .
وبعد عرض شريط قصير من إحدى محاضرات الراحل السابقة ، ألقى الدكتور احمد سعيد ولد أباه ، نجل الراحل ، رئيس جامعة شنقيط العصرية ومستشار المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ، مداخلة بعنوان " وجهة رحلة وتوجه حياة" ، استعرض فيها العلاقات المتينة وأواصر المحبة التي ربطت الراحل بالمغرب وبملوكه القائمة على الاحترام والتقدير وتبادل الوفاء بالوفاء. وأبرزالوجهات الجغرافية التي هاجر إليها الراحل جنوبا في السينغال ، وشمالا في المغرب، وشرقا في بلاد الحرمين الشريفين، وغربا في فرنسا وجامعة السوربون واليونسكو . وأوضح الدلالات العميقة لهذه الهجرات الأربع و دورها الكبير في بلورة شخصية الراحل وتشكيل خبرته الواسعة والغنية في جوانبها الفقهية والعلمية والأكاديمية والسياسية والديبلوماسية .
وألقى الاستاذ حمداتي شبيهنا ماء العينين ، المكلف بمهمة في الديوان الملكي سابقا ، مداخلة بعنوان " الشيخ محمد المختار ولد أباه كما عرفته"، خصصها للحديث عن جوانب من علاقته الشخصية مع الراحل في المجالات الفكرية والإنسانية . مؤكدا أن أهم مرتكز ومبدا في حياة الراحل كان هو تعزيز العلاقات الاخوية والتاريخية والاستراتيجية بين المملكة المغربية والجمهورية الاسلامية الموريتانية .
وفي الجلسة العلمية ، قدم الأستاذ عبد الرحيم أيت بوحديد ، من دار الحديث الحسنية ، قراءة في كتاب الراحل العلامة الدكتور محمد المختار ولد أباه " في خلاصة الأدلة من كتابي التجريد واختصار التمهيد " . وبعده قام الأستاذ طارق طاطمي ، من دار الحديث الحسنية ، بتقديم قراءة في كتاب ألفه الراحل تحت عنوان " في موكب السيرة النبوية " . واختتم الحفل بفقرة تكريم وتلاوة أيات بينات من الذكر الحكيم والدعاء وقراءة سورة الفاتحة ترحما على روح الفقيد.
يذكرني أن الراحل العلامة الدكتور محمد المختار ولد أباه يعد من أبرز الشخصيات العلمية والسياسية في موريتانيا وفي العالم العربي الإسلامي بصفة عامة. ولد رحمه الله سنة 1924 في منطقة الترارزة جنوب موريتانيا من أسرة علم وجاه .وبعد أن حفظ القرآن الكريم وأكمل دراسة المتون والنصوص المقررة في المدارس العتيقة الشنقيطية المعروفة بالمحاضر انتقل إلي مدينة سان لوي التي كانت تعتبر إحدي العواصم الإدارية والسياسية والعلمية في غرب أفريقيا. بدأ الراحل نشاطه السياسي المناهض للاستعمار الفرنسي في موريتانيا، وتم تعيينه في أول حكومة موريتانية سنة 1957 ، حيث شغل منصب وزير الصحة ثم التعليم. والتحق بالمغرب في سنة 1958 حيث شغل عدة مناصب سياسية وإدارية وأكاديمية مهمة .
وكانت له علاقة متميزة بالملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني وبعدد من الشخصيات السامية المغربية من وزراء وزعماء سياسيين ومفكرين وعلماء وفقهاء.
وبعد عودته لبلاده بعد حصولها على الاستقلال ، تم تعيينه على رأس عدة مؤسسات تربوية حيث كان له الفضل في تأسيس أول كلية للتربية في موريتانيا ، ثم ترأس لجنة الإصلاح الشامل للتعليم ، و انتخب نائبا أولا للبرلمان ورئيسا للجنة الشؤون الخارجية للبرلمان .وفي عام 1979 التحق بمنظمة اليونسكو، وانتخب عام 1984 أمينا عاما مساعدا لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة ، ثم عين رئيسا لجامعة النيجر، وعمل مكلفاً بمهمة في الديوان الملكي وأستاذا في دار الحديث الحسنية في الرباط . كما تم تعيينه رئيسا للمؤسسة الوطنية لجائزة شنقيط في موريتانيا .
وفي عام 2006 أنشأ جامعة شنقيط العصرية في انواكشوط . وكان عضوا في المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وممثلها في نواكشوط. وللراحل العلامة الدكتور محمد المختار ولد أباه إنتاج علمي غزير ومتنوع شمل علوم القرآن والحديث والسيرة النبوية والفكر الإسلامي والفقه وأصوله واللغة واالشعر .وكان آخر ما ألفه كتاب “رحلة مع الحياة” وهو سرد لذكريات الراحل منذ طفولته في أحضان مواطنه الأصلية في بلاد شنقيط، قبل أن يستقل البلد ويحمل اسم موريتانيا؛ وذلك في العشرينيات من القرن الماضي. كما يوثق الكتاب بالمعلومات والصور للمسار المهني والثقافي والفكري والسياسي للراحل داخل موريتانيا وخارجها.
____________________
المحجوب بنسعيد / الرباط