احتضن مقر مسرح محمد الخامس بالرباط في المملكة المغربية مساء يوم الأثنين فاتح مايو 2023 حفلا بهيجا بمناسبة اختتام احتفالية ( الرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2022) نظمته تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمملكة المغربية.
وحضر هذا الحفل عدد من الوزراء وسفراء الدول الإسلامية المعتمدين في الرباط وشخصيات وازنة من عالم السياسة والثقافة والفنون والآداب والإعلام ، وجمهور غفير من المهتمين بالشأن الثقافي .
وانطلق الحفل بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم والاستماع إلى النشيد الوطني للمملكة المغربية ، وبعد ذلك ألقى السيد محمد المهدي بنسعيد ، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي كلمة أكد فيها أن حدث اختتام فعاليات الرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي يعد مناسبة لتسليط الضوء على الجهود التي بذلت لجعل الرباط عاصمة الأنوار والثقافة ، وأشاد بالجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس ، رئيس لجنة القدس ، لحماية المعالم الثقافية والتراثية الإسلامية في القدس الشريف ، ودور جلالته الطلائعي في دعم العمل الإسلامي المشترك من خلال تعزيز الحوار بين الثقافات والتعايش بين أتباع الأديان ونشر السلم والأمن في العالم . كما نوه بالتعاون القائم بين وزارته والإيسيسكو في مجال حماية التراث الثقافي المادي واللامادي في المغرب .
من جهته ألقى الدكتور سالم بن محمد المالك ، المدير العام للإيسيسكو كلمة رقيقة تفيض شعرا وتغزلا في مدينة الرباط شدت انتباه الحضور ، وقال في مستهلها " هي المدينة المثقفة بحق إن كان بين المدائن مدينة تستحق الفوز بهذا اللقب المسفر ، اللبيب، مدينة كأنها ولدت لتكتحل بالكلمة المثقفة و تأتزر بالمهارة المثقفة و تزين دلالها باللفتة المثقفة ، تاريخها كتاب و حاضرها كلمة و مستقبلها علوم تجتاز الآفاق" . وأضاف بأنه يحق للرباط أن تفتخر وتحلق عاليا وهي تحتضن المتحف و المعرض الدولي للسيرة النبوية و الحضارة الإسلامية الذي تجاوز عدد زواره في اقل من خمسة اشهر المليون ونصف المليون ، والمعرض الدولي للكتاب والنشر . واستطرد قائلا " إن الإيسيسكو بعين الاغتباط ترقب و تبتسم و تربت على العطاء المثمر اليانع فما تلوح لحظة الختام إلا و معراج الذكرى يراوح بين فرح الإبداع و شجن الوداع لتبقى من كل ذلك نفحة تتلقفها مدينة أخرى من مدائن المغرب المخضر بســواعد أبنائه، و شموخ رجاله و اعتناء نسائه المستنير بومض قرائحهم و فيض إتقانهم.
وفي ختام كلمته رفع برقية شكر وامتنان إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس قائلا "يا راعى المكرمات أكرمت وأغدقت فأسديت وكفيت،جزاؤك عند الله وافرا مثمرا" ، كما شكر ولي العهد صاحب السمو الأميرمولاي الحسن على تفضل سموه بافتتاح المتحف و المعرض الدولي للسيرة النبوية و الحضارة الإسلامية في مقر الأيسيسكو. ونوه بالتجاوب والتعاون المثمر الذي لقيته الإيسيسكو خلال تنظيم احتفالية الرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي من وزارة الشباب و الثقافة و التواصل المغربية ورابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، ومن باقي المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في المملكة المغربية .
وفي هذه المناسبة ألقى المدير العام للإيسيسكو أبياتا شعرية وصف فيها المعالم التاريخية والحضارية والعمرانية والثقافية لمدينة الرباط ، وتغنى بجمال حدائقها وروعة شواطئها ، وسمو أخلاق سكانها .
وتضمن برنامج الحفل عرض فيديو حول احتفالية الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2022 ، وتنظيم سهرة فنية متنوعة أحياها أوركسترا الجوق السمفوني وجوق الوسيقى الأندلسية ، و شارك فيها عدد من ألمع المطربين المغاربة ونخبة من النجوم المغاربة في الإنشاد الديني .
لقد تم الاحتفاء بمدينة الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي بناء على قرار المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الثقافة المنعقد في مسقط بسلطنة عمان في نوفمبر 2015 الذي اعتمد قائمة عواصم الثقافة في العالم الإسلامي للأعوام 2005-2025 . وكانت مدينة مكة المكرمة أول عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي يتم الاحتفاء بها عام 2005
ويعد برنامج الاحتفاء بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي من البرامج الكبرى والمبادرات الناجحة للإيسيسكو، والذي تسعى من خلاله إلى التعريف بالمخزون الثقافي الإسلامي لعدد من عواصم الدول الأعضاء، وإبراز تنوع وغنى وجمالية مكونات تراثه المادي وغير المادي، وإسهامات علمائه وفنانيه ومبدعيه، رجالاً ونساءً، في مختلف مجالات المعرفة والبناء الحضاري للأمة وللإنسانية جمعاء. كما تهدف من ورائه إلى تنشيط الحركة الثقافية في العواصم المحتفى بها، وتفعيل الدور المحوري للعمل الثقافي في تدبير الشأن العام لهذه المدن. ويهدف هذا البرنامج التعريف بالحواضر الإسلامية ذات العراقة التاريخية والتميز الثقافي، وتسليط الضوء على تراثها الفكري والثقافي والإبداعي، وإبراز التنوع الثقافي للشعوب الإسلامية.
واستنادا إلى وثيقية مرجعية أصدرتها الإيسيسكو حول برنامج العواصم الثقافية في العالم الإسلامي فقد تم وضع معايير دقيقة لاختيار العاصمة الثقافية في العالم الإسلامي وذلك حرصا على توافر شروط محددة تجعلها جديرة بهذه الصفة. وقد عملت الإيسيسكو على إعداد مشروع لهذه المعايير وعممته على الدول الأعضاء ليكون اختيار العاصمة الثقافية قائما على شروط موضوعية تضمن جدوى الاختيار وتحقق الهدف الأساس من المشروع وهو الاحتفال بالمدن الثقافية التي لها تاريخ ثقافي بارز وآثار مادية وفكرية تستحق التنويه والتعريف . ومن هذه المعايير أن تكون المدينة المرشحة ذات عراقة تاريخية مدونة وصيت عالمي واسع ، وأن تكون لها مساهمة متميزة في مجالات الثقافة والثقافة الإسلامية بصفة عامة ، وأن تتوفر على مراكز للبحث العلمي ومكتبة ومخطوطات ، وعلى مؤسسات ثقافية فاعلة في مجال تنشيط الحياة الثقافية والجماعات .
ومما يجب التنويه به هو التطوير والتجديد الذي طرأ على شكل ومضمون برنامج عواصم الثقافة في العالم الإسلامي منذ تعيين الدكتور سالم بن محمد المالك مديرا عاما لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) عالم 2019 حيث انتقل هذا البرنامج الثقافي من التقليد إلى فضاءات التحديث. وقد تجسدت تلك الرؤية الابتكارية المتجددة في عدد ونوعية الأنشطة الثقافية والفنية التي نفذتها الإيسيسكو خلال عام 2022 ، احتفاء بالرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي ، حيث بلغ مجموعها 260 نشاطا ، شملت لقاءات ثقافية بنسبة 39%، وحفلات موسيقية بنسبة 17%، وإنتاج فيديوهات بنسبة 16% ،وعروضا مسرحية بنسبة 11%،وإصدارات بنسبة 4%،ومسابقات وجوائز بنسبة 4%، ومعارض بنسبة 4% ، وورشات ودورات تدريبية بنسبة 3%، ومهرجانات بنسبة 2%.
لقد كانت احتفالية الرباط عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي متميزة وراقية لاعتبارات عديدة نقتصر على ذكر أربعة منها لكونها بالغة الأهمية وعميقة الدلالة ، وهي أولا تنظيم الاحتفالية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وثانيا استضافة الرباط في مقرالإيسيسكو للمعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، وثالثا تزامن الاحتفالية مع احتفالية الرباط عاصمة الثقافة الإفريقية لعام 2022 ، ورابعا تزامن الاحتفالية مع استضافة مدينة الرباط، ولأول مرة، لفعاليات الدورة السابعة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر خلال الفترة من 2 إلى 12 يونيو 2022 .
ختاما ، تجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار مدينة مراكش لتكون عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، تلك المدينة التي أنشئت في عهد المرابطين في القرن الحادي عشر، وعرفت ازدهاراً كبيراً وتوسعاً عمرانياً مهماً في عهد السلطان يوسف بن تاشفين، وأصبحت عاصمة لحكم المرابطين والموحدين ومركزاً سياسياً وثقافياً لمنطقة الغرب الإسلامي. سيكون للإيسيسكو موعد آخر للاحتفاء بهذه المدينة المغربية الزاهية بما يليق بسمعتها الإسلامية والدولية ، وبمكانتها السياحية العالمية ، وبمعالمها الثقافية والتراثية العريقة، وهي قادرة على ذلك نظرا لما اكتسبته من خبرة واسعة في الاحتفاء بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي، وبفضل الرؤية الابداعية لمديرها العام الدكتور سالم بن محمد المالك، والمهنية العالية لأعضاء فريق عمله .
********
المحجوب بنسعيد/ الرباط