قال لي صديقي الماليزي الدكتور رحيم، الذي يشارك مع زوجته الفاضلة زليخا كل عام في زيارة وفد دولي “كي لا ننسى مجازر صبرا وشاتيلا”، بعد أن استمع إلى تحليلي للأوضاع العامة،:” ألا تعتقد انك متفاءل بعض الشيء”…
أجبت صديقي البروفسور الماليزي على الفور :” طبعاً أنا متفائل… فالتفاؤل أيضاً مقاومة”…
واستطردت قائلاً:” كيف لك أن تقاوم وضعاً شاذاً بهذا الحجم على المستويات كافة، إذا لم يكن لديك تفاؤل بالقدرة على الانتصار عليه، سواء كان هذا الواقع احتلالاً أم عدواناً أم احتراباً أم فساداً أو استبداداً أو ظلماً بأي معيار من المعايير..
“فالتفاؤل”، كما أراه، ” هو أن تفتح للأمل كوة، تماما كما تفتح المقاومة للشعوب كوة في الظلام يتسرب منها النور ومعه الأمل.
والتفاؤل هو أن لا تقع أسير اللحظة الراهنة بكل صعوباتها وتعقيداتها وتوازناتها، بل أن تدرك إن لحظة قادمة آتية ستكون مختلفة خصوصاً إذا سعينا إلى تغيير الواقع الراهن، وهذه هي حكاية كل الشعوب التي قاومت الاحتلال والظلم وانتصرت عليهما.
“والتفاؤل هو الثقة بالإرادة الإنسانية وقدرتها على إعادة صياغة معادلات القوى وموازينها، فالسباق بين موازين القوى وموازين الإرادات كان دائماً لصالح الإرادة خاصة إذا تسلّحت الإرادة بالوعي والتنظيم وبروح المقاومة على نحو خاص.
“والتفاؤل هو الثقة بتآكل قوة الأعداء محتلين أو ظالمين مع الزمن، وبتنامي قوة المقهورين والمحتلّة أرضهم وإرادتهم مع الزمن لا سيّما إذا امتلكت إرادة المقاومة.
“فالتفاؤل هو صنو المقاومة، يفتح لها الأبواب، وهي تعزز منطقه ورؤاه..,.
“ثم انظر إلى نفسك وزوجتك وزملائك القادمين من كل أصقاع الأرض كل عام ليذكّروا العالم بواحدة من أبشع مجازر العصر…. أليس تفاؤلكم بأن يوماً سيأتي تجري فيه محاكمة كل أشرار العالم، أفرادا وكيانات هو الذي يدفعكم للمجيء كل عام….
“ثم ما الذي يدفع هذا الشاب أو الشابة الفلسطينية إلى طعن رجال الاحتلال حتى لو أدى الأمر إلى الاستشهاد سوى تفاؤلهما إن بلدهما سيتحرر حتى ولو لم ينعما بالحياة في ربوعه. وفي لبنان، ثم في العراق، وقبلهما في مصر والجزائر وبلدان عديدة أخرى، واليوم في اليمن، ما الذي يدفع الناس إلى هذه المقاومة البطولية لولا تفاؤلهم بغدٍ أفضل…
“ولننظر حولنا نظرة دينامية، ألا نلاحظ كم بتنا أقدر على مواجهة أعدائنا وان تضخمت وسائلهم وقدراتهم لتدمير مجتمعاتنا وتحطيم حياتنا ، ففي القرآن الكريم آية استمّد منها دائماً كل تفاؤلي وهي التي تقول: ” إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون “
“ثم أن ثقافتنا العربية الإسلامية المبنية على تلازم الإيمان والعلم، هي ثقافة تفاؤل وأمل… يقول الشاعر “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل” ويقول الحديث الشريف ” تفاءلوا بالخير تجدوه” أما اليأس فلا تجده إلا لدى ثقافة الهزيمة ومثقفيها….
“التفاؤل إذن يطرد اليأس واليأس هو الاحتياطي الاستراتيجي لأعداء الشعوب الذين لا يحققون انتصارهم النهائي إلا حين يزرعون اليأس في الشعوب مستخدمين كل أنواع الأسلحة الثقافية والإعلامية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق ذلك.
“ولنردد معاً يا شعوب العالم تفاءلوا فليس لديكم ما تخسرونه سوى اليأس والعبودية”.
هنا ضحك صديقي الماليزي وقال:” انك على حق فعلاً فالمتفائلون وحدهم هم الذين صنعوا مستقبل بلادهم”.
وأنهيت حواري معه بالتذكير بمقولة المفكر اليساري الايطالي الشهير انطونيو غرامشي “تفاؤل الارادة وتشاؤم العقل”.