كثيرا ما يحتدم الجدل، حول ما إذا كان من الصَّواب، تقْديم سيَّاساتٍ مَّا، على أنها نجاحات، أو إخفاقات. إلا أن الوسائط الإعلامية ، غالبا ما تميل ،إلى مكافأة جانب الحِدَّة والجرأة، في تبْيان أوجه الإخفاق والقصور، على حساب جانب التطرق للمكاسب والنجاحات ، دون أن تهتم بما يُثبت ادعاءات أي من الطرفين.
ومساهمة في نقاش موضوع الساعة ،فإن المهتمين بسياسة موريتانيا الخارجية، يرون، أن ترأس بلادنا للاتحاد الإفريقي، يُشكل نجاحا دبلوماسيا كبيرا، ليس وليد الصدفة ، بل إنه جاء نتيجة اتباع صانع القرار في دولتنا، لمنهج عقلاني، يُفضي دائما، إلى اتخاذ القرار، الأكثر اتزانا، من أجل إحراز النتائج المرغوبة، وتفادي العواقب المترتبة على خيارات سياستنا الخارجية.
ووفقا لهذه الرؤية، حافظت موريتانيا، وسط محيطها الملتهب، على موقف مستقل ، متزن، ومدروس للغاية ، يتجنب المواجهة ، ويسلك طريق الدبلوماسية لحل الأزمات.
حيث نذكر بهذا الخصوص، أن موريتانيا، رفضت الانحياز لموقف (الإيكواس) ، عندما فُرض الحصار على مالي، فأبْقت على حدودها مفتوحة مع أشقائنا الماليين ،وهونفس الموقف، المتوازن تقريبا الذي اتخذته اتجاه العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على النيجر.
أما موقف موريتانيا من نزاع الصحراء الغربية، فإنها ظلت تُمسك العصا فيه من الوسط ، فهي تعترف بالجمهورية الصحراوية، المعلنة من طرف واحد، لكنها تلتزم بحيادها الإيجابي ، نظرا لحساسية الموضوع، ولعلاقتها مع أطراف النزاع المختلفة.وهو موقف، كما أكد ذلك فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، لم ولن يتغير، نظرا لانسجامه مع مبادئ السياسة الخارجية للبلاد.
لقد شكل ثبات موريتانيا، على هذا النهج المتوازن، في سياستها الخارجية، رغم الضغوط القوية، التي مُورست عليها، من أطراف إقليمية ودولية نافذة ،أرضية صالحة، لإطلاق نشاطها الدبلوماسي المكثف، الذي افتتحه رئيس الجمهورية من انواكشوط ،وواصله، على هامش القمة الإفريقية الإيطالية بروما، حينما التقى عددا من القادة الأفارقة ، في إطار حشد الدعم لملف ترشح موريتانيا لرئاسة الاتحاد الإفريقي ، وهو الجهد الذي أكمله معالي وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، الذي قام بجولة، شملت عواصم اتحاد المغرب العربي، بالإضافة للقاهرة ، وقد أثمرت جولته، عن نجاح دبلوماسي كبير، حينما قررت بالإجماع، دول إقليم الشمال بالاتحاد الإفريقي، ترشيح موريتانيا لرئاسة الاتحاد الإفريقي لعام 2024.
مِمَّا جعل طريق انواكشوط سالكا، نحو رئاسة الاتحاد الإفريقي ، وأفضى إلى تسليم رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، لعام 2024 خلال فعاليات القمة السابعة والثلاثين، التي انعقدت السبت 17 من فبراير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وهذا ما يعني منح بلادنا ثقة كبيرة ،اعترافا بدورها ونفوذها في المنطقة ، حيث ستتحمل خلال هذه السنة، مسؤولية قيادة القارة، والقيام بدور رئيسي، في صنع القرار، وتنسيق أنشطة الاتحاد الإفريقي. فرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، سيكون بموجب هذه الثقة الكبيرة ، مسؤولا عن تمثيل الاتحاد الإفريقي، في مختلف المناسبات، والمفاوضات الدولية، بالتعاون مع القادة الأفارقة الآخرين ، وهو ما يشكل فرصة لموريتانيا، من أجل تعزيز مصالحها، ومصالح القارة الإفريقية ككل ، بهدف تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في إفريقيا والعالم.
و كما أسلفت فإن انتخاب موريتانيا لهذا المنصب القاري المهم والكبير لم يأت من فراغ بل جاء نتاجا لسياستها الخارجية الهادئة والمتوازنة ،ومكافأة لنهج دبلوماسيتها المستقل الذي يبتعد عن التخندق ،وإملاءات الأحلاف والمحاور.
_________________
محمد محفوظ العبادي/ مستشار بالسفارة الموريتانية بالرياض