تعقد مساء اليوم الأحد 17 مارس 2024 في مكة المكرمة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي ، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ويشارك فيه عدد من كبار الشخصيات الإسلامية من المفتين وكبار العلماء من داخل وخارج المملكة العربية السعودية يمثلون مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية .
وأشارت الرابطة في موقعها الإلكتروني إلى أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين المذاهب الإسلامية وتمتين العلاقة بينها لخدمة الأهداف المشتركة ولاسيما ما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تتطلب وحدة الرأي الشرعي ولا يناسبها الاختلاف والشتات المذهبي. ويركز المؤتمر على مواجهة خطابات وشعارات وممارسات التطرف الطائفي الذي سعى لإذكاء الصراع والصدام المذهبي وهو ما أساء لقيم الأخوة الإسلامية، فضلا عن إساءته لسمعة الإسلام والمسلمين. وأوضحت الرابطة أن المؤتمر يؤكد على الخصوصية المذهبية وعدم المساس بها تحت أي ذريعة، ويرفض أي أسلوب من أساليب الإساءة أو الازدراء للمذاهب الإسلامية، ويدعو إلى التعامل مع الجميع بسمت الإسلام الرفيع ومن ذلك بيان الحق بدليله، مع إحسان الظن بين إخوة الدين الواحد، إضافة إلى وضع خارطة طريق تسير بالجميع نحو المزيد من الوعي الإسلامي. وأشارت الرابطة إلى قررت تنظيم المؤتمر استشعارا بدورها المهم والرئيس في جمع كلمة علماء الأمة الإسلامية، وتعزيز الثقة والتعاون بين مذاهبهم .
وتنطلق جلسات عمل المؤتمر يوم الإثنين 18 مارس ، حيث سيناقش المشاركون عددا من القضايا والمواضيع في إطار خمسة محاور تتناول مقومات التعاون بين المذاهب الإسلامية وآفاق التعاون فيما بينها ، و دور الأسرة والتعليم في بناء الشخصية المسلمة المعتدلة ومواجهة الفكر المتطرف والإقصاء ، والقيم الإسلامية المشتركة والخصوصية المذهبية، ومخاطر الاختلاف والنزاع الطائفي، والأخوة الإسلامية والوئام المذهبي ، والمبادرات العملية لتقريب الرؤى بين أتباع المذاهب الإسلامية ، ثم وثيقة مكة المكرمة باعتبارها المشروع الحضاري في القرن الحادي والعشرين، والمرجعية الجامعة للأمة المسلمة .
ويتضمن برنامج المؤتمر عقد جلسة خاصة لفاجعة غزة والتضامن الكامل معها، وتحميل المجتمع الدولي والضمير الإنساني مسؤولية هذه الكارثة، مع تأكيد الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وسيصدر عن المؤتمر " وثيقة الأخوة والتعاون بين المذاهب الإسلامية"
إن المؤتمر الدولي "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" يكتسي أهمية بالغة لاعتبارات عديدة من بين أهمها في نظري المتواضع أمران إثنان هما :
• الأمر الأول أنه من الناحية الأكاديمية والمنهجية يعد هذا المؤتمر امتدادا للمؤتمر الدولي حول موضوع (الوحدة الإسلامية - مخاطر التصنيف والإقصاء) الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يومي 12 و 13 ديسمبر من عام 2018 م. وقد سعى المؤتمر إلى وضع خطة استراتيجية شاملة للتصدي لمشاريع الكراهية والصراع الطائفي، وإيجاد قنوات للتواصل بين أتباع المذاهب الإسلامية لبناء جسور الثقة والتفاهم والتعاون على المشتركات الإنسانية الجامعة، ومحاصرة الخطاب الطائفي والمتطرف، وجمع كلمة العلماء والدعاة، وتقريب وجهات النظر بينهم، والتأكيد على مسؤوليتهم في توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم، ونشر قيم الوسطية وتعميق أواصر التآخي والتآلف بين المسلمين ونبذ خطاب العداء والفرقة . كما بحث المؤتمر مسألة الخصوصية المذهبية وثقافة الاختلاف، وناقش معوقات الوحدة الإسلامية والدعاوى الطائفية الرامية لبث التكفير والتطرف والفكر الطائفي، وبحث سبل تعزيز الشراكة الحضارية مع غير المسلمين وسُبُل مواجهة (الإسلاموفوبيا). ويتبين أن هذه القضايا التي تناولها المؤتمر الدولي حول (الوحدة الإسلامية - مخاطر التصنيف والإقصاء) عام 2018 ، ما زالت مطروحة اليوم وتحتاج لمزيد من الدراسة وتعميق النظر وتوسيع دائرة التشاور بشأنها بين علماء الأمة الإسلامية من مختلف المذاهب الإسلامية .
• الأمر الثاني يرتبط بالسياق العام الذي يعقد فيه المؤتمر حيث يجمع المراقبون والباحثون على أن المسلمين أصبحوا اليوم في أشد الحاجة إلى بناء الجسور بين مذاهبهم للحد من تشتت الشمل وتفاقم النعرات الطائفية والنزاعات المذهبية التي تجعل ، عن جهل أو تعصب ، من الاختلاف في المذهب خلافا وصراعا واحترابا أحيانا . ولذلك يحتاج العالم الإسلامي إلى مبادرات لمواجهة هذا الخطر من خلال السعي إلى ترسيخ أواصر قربى الإيمان التي تجمع المذاهب الإسلامية والتي تعلو فوق كل خلاف انطلاقا من الإيمان بالكليات الاعتقادية الكبرى الجامعة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
إن هذا المشكل العويص يقتضي حوارا داخليا بين ممثلي مختلف المذاهب الإسلامية من أجل تبادل المعرفة الدينية وردم الفجوة التي تحول دون بناء الجسور بينهم من خلال تعميم المعارف الخاصة بكل مذهب بين جميع المسلمين ، مما يترتب عليه الاحترام المتبادل . إن غياب الاحترام المتبادل بين أتباع المذاهب الإسلامية هو من الأسباب الرئيسة لما يسمى بالاحتقان أو الصراع الطائفي ، ومن أبرز تجلياته ما تبثه بعض القنوات التلفزية من معلومات خاطئة وقدحية ومسيئة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أمهات المؤمنين ، وما تروجه من مضامين فكرية طائفية بالغة الغلو والتشدد والانغلاق ، تساهم في بث الفرقة بين المسلمين والإساءة إلى صورة الإسلام والمسلمين ، وإتاحة الفرصة لأعداء ه من المتطرفين في الدول الغربية لترويج الصور النمطية المسيئة لديننا الحنيف ولحضارته الإنسانية، وتبرير التصرفات العنصرية البغيضة التي يرتكبونها في حق الجاليات والأقليات المسلمة.
لهذه الاعتبارات فإن تنظيم المؤتمر الدولي حول موضوع "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"
مبادرة فكرية وحضارية واستراتيجية واستشرافية لرابطة العالم الإسلامي ، جاءت في وقتها لأنها ضرورية لتحقيق الوحدة الفكرية والدينية اللازمة لتقوية الجبهة الداخلية داخل العالم الإسلامي لمحاربة تيارات التطرف والغلو والطائفية البغيضة والتشدد والتكفير، ونشر ثقافة الاعتدال والوسطية والتسامح والتضامن . كما أن هذه المبادرة ومثيلاتها مستقبلا ستجعل العالم الإسلامي في موقع قوة خلال تعامله مع الآخرين ، وتحاوره معهم على أساس المشتركات الإنسانية من أجل بناء جسور الفهم والتفاهم والمحبة والعيش المشترك .
________
المحجوب بنسعيد