ظهر دور رجال الأعمال في وقت مبكر من عمر الدولة الإسلامية ففضلا عما هو معروف من ممارسة رسول الله صلى الله عليه وسلم للتجارة ورحلته الشهيرة في تجارة أمنا خديجة بنت خويلد كان معظم القادة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم رجال أعمال فأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان تاجرا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان تاجرا وعثمان ابن عفان رضي الله عنه كان تاجرا
وكذلك الحال بالنسبة لكل من طلحة ابن عبيد الله والزبير ابن العوام وعبد الرحمن ابن عوف وسعد ابن أبي وقاص رضوان الله عليهم وكلهم مبشرون بالجنة
وتبرز أحداث السيرة النبوية الشريفة أهمية هؤلاء رجال الأعمال في الأمن الغذائي للمدينة المنورة وتغطية نفقات الفتوح الإسلامية فهذا عثمان ابن عفان رضي الله عنه يجهز جيش العسرة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وألف دينار فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)
ولم يكن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه يملك شيأ يوم قدم المدينة مهاجرا وعندما عرض عليه سعد بن الربيع رضي الله عنه أن يشاطره ماله لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما رفض قائلا "بارك الله لك في مالك وأهلك دلوني على السوق"
فابتدا تجارته بإقط وسمن حتى أصبحت ثروته على مرأى ومسمع من أهل المدينة كما روى أحمد في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه (أن عبد الرحمن أثرى وكثر ماله حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق)
وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة فقال: (بارك الله لك) يقول عبد الرحمن ابن عوف بعدها " فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة"
وقد نزل القرآن تقريعا للمنافقين الذين اتهموه بالرياء عندما تصدق بنصف ماله فانزل الله تعالى: ( الذين يلمزون المطوعين من المومنين في الصدقات...)
قبل أشهر حملت مريضا إلى موعد له في مصحة الرضوان بحي الترحيل واثناء وجودي في المصحة لفتت نظري الجموع الهائلة التي تميد بها الممرات والغرف فسعيت إلى أحذ بعض المعلومات أغلبها من المرضى ومرافقيهم و بعضها من عمال المصحة
أحصيت الأرقام التالية
45 شخصا عند طبيب أمراض الجلد
61 عند طبيب أمراض النساء
52 عند طبيب الأسنان
حوالي 236 عند أمراض العيون
حوالي 89 عند الحالات المستعجلة
وبقيت طوابير أمام أطباء آخرين لم أصلها
وللتنبيه فإن هذه الأعداد كانت من المرضى دون مرافقيهم
وسألت عن متوسط مراجعي المصحة فأخبرت أنه يتراوح بين 500 إلى 600 شخص يوميا
وكل شيء في المصحة كان بالمجان من الفحوص إلى العمليات حتى الدواء يوزع على المرضى مجانا عبر نافذة في صيدلية داخل المصحة وقفت عليها بنفسي
أتذكر أنني يومها قلت بشكل عفوي وأنا أنظر إلى المصحة بعد مغادرتي لها (ما ضر زين العابدين ما فعل بعد اليوم)
وقد سمعت منذ أيام عن افتتاح مركز مجاني لمرضى القصور الكلوي تابع لمصحة الرضوان تبلغ طاقته الاستعابية 20 سريرا مع مختبر وجهاز تصوير
سيمكن 60 مريضا من أمراض الكلى من التصفية يوميا
هذا فضلا عما سمعته عن سقاية منتظمة في ولاية العصابة منذ سنوات تعتمد عليها أحياء بأكملها في حاجياتها من الماء الشروب بالإضافة طبعا إلى مئات القصص التي بلغت حد التواتر في مجال العون الاجتماعي ودعم الفقراء والطبقات الهشة من المجتمع ناهيك عن الأثر الباقي في الإنشاءات والبنى التحتية للدولة من جامعات ومستشفيات ومعاهد وطرق وسدود.
(ذلك فضل الله يوتيه من يشاء)
(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)
هما منهاجان بينان ومتباينان في الآن نفسه فإذا لم ننتهج مع زين العابدين ولد الشيخ أحمد منهاج (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم) فلا أقل من أن نحذر أن ننتهج معه منهاج (الذين يلمزون المطوعين من المومنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم)
صدق الله العظيم