شارك الدكتور المحجوب بنسعيد ، المستشار الإعلامي لرابطة العالم الإسلامي ، عضو الشبكة الدولية للصحافيين العرب والأفارقة ، في أعمال منتدى إعلامي نظمه اليوم ، عن بعد ، اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا)، والأمانة المساعدة للاتّصال المؤسَّسي في رابطة العالم الإسلامي حول موضوع: "الإعلام والحقّ الفلسطيني: خطوات عمليَّة للبناء على مبادرات الاعتراف بفلسطين". ، وشارك في المنتدى ممثلو وكالات الأنباء في الدول الإسلامية، والاتحادات الإعلامية الدولية، ووسائل الإعلام العالمية، وعددٍ من المنظمات الدولية، والشخصيات الدبلوماسية والثقافية والدينية.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية الشيخ الدكتور عبد الكريم بن محمد العيسى ، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ، والسيد حسن إبراهيم طه ، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي ، والمشرف العام على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين ، الوزير أحمد عساف ، والمدير العام لاتحاد أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي ، الأستاذ مدوك اليامي .
وتحدث الخبير الإعلامي المغربي في الجلسة الثالثة التي كان موضوعها ( صحافة السلام وتعزيز دور الإعلام في حل الأزمات الدولية ) وفي يلي نص مداخلته :
إن تنظيم هذا المنتدى يندرج في إطار حرص رابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا)، على مواصلة التنسيق بينهما وتكثيف الجهود من أجل تفعيل مبادئ وبنود (ميثاق جدة للمسؤولية الإعلامية) الصادرعن المنتدى الدولي الذي عقدته الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي والاتحاد في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية يوم الأحد 26 نونبر 2023 ، تحت عنوان "الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيُّز" ، خاصة التوصيات المنبثقة عن أعمال جلسة العمل حول موضوع "التحيز والتضليل في الإعلام الدولي: القضية الفلسطينية أنموذجًا"
لقد أكدت العديد من تقارير المنظمات الحقوقية والاتحادات المهنية الأقليمية والدولية أن حرب غزة في فلسطين هي الأكثر دموية للصحافيين في التاريخ الحديث ، وبالتالي فإنها في اعتقادي هي الحرب الأكثر اعتداء على صحافة السلام . وصرحت اللجنة الدولية للصحافيين بأن اسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الصحفيين واعتقلت الكثير منهم وتجاوز عدد الصحافيين الذين قتلوا 150 صحافيا من جنسيات مختلفة. وكشفت الحرب الحالية على غزة وفلسطين مدى تخلي كثير من الحكومات والساسة في الغرب عن ضميرهم الأخلاقي ومسؤولياتهم الأخلافية وانمتائهم الإنساني بالرغم أنها لا تكف عن إعطاء دروس في الديمقراطية وحرية التعبير لباقي الدول في الجنوب. للأسف تجاهلت هذه الحكومات أن الصحفيين في الحرب يقدمون حقائق تفضح جرائم أسرائيل واستهتارها بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة . منذ عام 2012 وضعت الأمم المتحدة خطة عمل بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب . كما صدرت قوانين وإعلانات دولية عديدة لحماية الصحفيين في زمن السلم وفي حالات الحرب والنزاعات العسكرية ، ومنها إعلان اليونسكو حول اسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان حيث تنص لمادة الثانية من هذا الإعلان على أن " ممارسة حرية التعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها دوليا هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين ".
في الحرب الوحشية المدمرة في غزة وفلسطين أصبحنا أمام " أزمة إعلام " وليس " إعلام أزمة" . إن اغتيال الصحفيين واعتقالهم ومصادرة حقهم في نقل الوقائع والاخبار بموضوعية جعل الإعلام المهني والصحافة النزيه المهنية يواجهان أزمة خانقة لم تسمح لهما بالقيام بمهامهما المعتادة والمطلوبة في حل الأزمات الدولية .
من هنا نتساءل : هل مازال الحديث مشروعا وممكنا حول " صحافة السلام " في غزة وفلسطين ?
إن صحافة السلام في معناها العام تخدم نشر قيم السلام وتسهم في تعزيز الأمن والتعايش. إسرائيل أمعنت في مضايقة صحافة السلام بل في منعها واغتيالها مقابل تعزيز صحافة الحرب من خلال اعتماد خطة التضليل الإعلامي .
لكن بفضل الانتشار الواسع لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وتقنيات الإعلام الجديد تم فضح الوحشية والدمار الذي ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي مما أدى إلى اتساع دائرة التنديد الدولي وتنظيم مظاهرات حاشدة في مختلف العواصم العالمية المؤيدة للشعب لفلسطيني وحقه في دولة مستقلة والعيش بكرامة مثل باقي شعوب العالم
من جهة أخرى يجب التأكيد على أن الإعلام يقوم بدور مهم في حل الأزمات الدولية من خلال اجراءات عديدة من بينها :
- التشخيص الموضوعي لأسباب هذه الأزمات بالدلائل والبراهين والنشر السريع للمعلومات الموثقة للحد من انتشر الإشاعة والأكاذيب
- إبراز الانعكاسات السلبية للأزمات الدولية على التنمية المستدامة والأمن والسلم الدوليين والتفاهم والتعايش بين الشعوب
- التوازن في عرض وجهات النظر المختلفة حول الأزمات الدولية وإتاحة فرصة للحوار والنقاش حولها
لقد أصبح من الضروري والمستعجل أن تعمل المؤسسات الإعلامية الحكومية وغير الحكومية في الدول الإسلامية على استثمار التضامن الشعبي الدولي الحالي مع القضية الفلسطينية من خلال تعزيز علاقات التعاون والتفاهم والتواصل مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية الإنسانية عبر العالم وذلك بتنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية والقيام بزيارات متبادلة وإنشاء شبكة الإعلاميين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. كما يلزم تكوين جيل جديد من الصحفيين الشباب المؤثرين النشطين في شبكات التواصل الاجتماعي للتعريف بمعاناة الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في دولة مستقلة وفضح الهمجية العنصرية الإسرائيلية . وتوحيد لخطاب الإعلامي لمختلف الفصائل الفلسطينية ، مضمونا وأداء ، والتخلي عن إثارة الاختلافات في الرؤى وفي الاختيارات السياسية .
في الختام من المهم جدا العمل على طرح القضية الفلسطينية من منظور حقوقي إنساني ، وعدم الاكتفاء بالمنظور الذي يرى في القضية جزء من صراع الأديان في منطقة الشرق الأوسط ، ومن اعتبار محاولات تهويد القدس الشريف والاعتداء على المسجد الأقصى ليست أزمة دينية فقط ، بل هي كذلك أزمة حقوقية وإنسانية وحضارية. ولعل من شأن ذلك أن يسد الباب في وجه من يتاجرون بالقضية الفلسطينية من منظور ديني ضيق وطائفي متزمت . كما أنه سيجعل القضية الفلسطينية تستفيد من الجهود الدولية الجارية بشأن تعزيز التعايش بين أتباع الأديان . كما تستفيد من توجهات رابطة العالم الإسلامي الحضارية الإنسانية وجهود أمينها العام معالي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى الداعية إلى مد الجسور بين الشعوب وأتباع الأديان ، ومكانته الاعتبارية وصوته المسموع في المحافل الدولية الدينية والديبلوماسية والعلمية والسياسية .