كأنه اعلان رسمي، من على منبر دولي، في مجلس الامن، بوفاة التفاهمات السورية، ودفن أي احتمال وشيك بإمكانية الحل. ففي غالب الاحيان احتفظت اوساط الخارجية الروسية والاميركية، بشعرة معاوية، للتأكيد على وجود مساحة ما، مهما كانت ضيقة، للاتفاق. هذه المرة، بدت التسوية ضربا من الخيال، بعدما قال الاميركيون إن العمل مع موسكو لم يعد ممكنا، ورد الروس بأن احلال السلام السوري، صار الآن مهمة شبه مستحيلة!
قرع واضح لطبول الحرب. الثلاثي الغربي، الاميركي والبريطاني والفرنسي، تستفزه الآن معركة حلب، بعد الدخول الروسي القوي على ميادينها المختلفة جوا وبرا.. وبحرا، كما تشير التقارير بعد إبحار حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف» باتجاه الساحل السوري ووصول الفرقاطة الروسية «الاميرال غريغوروفيتش»، المحملة بصواريخ «كاليبر» المجنحة، الى شرق المتوسط، فيما تشير المعلومات الى تعزيز الروس ذراعهم الجوي في سوريا بطائرات «سوخوي 25» المتخصصة بمهمات الدعم الجوي القريب، بالاضافة الى الـ «ميغ 35»، المتعددة المهام، كطائرة مقاتلة جوا وداعمة للعمليات الارضية، ما يشير الى انخراط روسي اكبر في ساحات المواجهة، خصوصا في حلب التي اعلن الجيش السوري استعداده لاستعادة أحيائها الشرقية من الفصائل المسلحة.
وتندرج الخيارات العسكرية الروسية هذه، بعد اتضاح مسار التجاذبات الديبلوماسية. سامنتا باور، ذراع الخارجية الأميركية في الامم المتحدة، تستجيب للتحولات التي شهدها صراع وزارة الخارجية والدفاع الاميركيتين، إذ بات «البنتاغون» يمتلك زمام امور العلاقة مع روسيا، خصوصا في الشأن السوري. لهذا، لم يرف جفن لسامنتا باور وهي بمساندة بريطانية وفرنسية في مجلس الامن، تتهم الروس بـ «الوحشية» في سوريا، وتلوح باريس باتهام دمشق وطهران، بارتكاب «جرائم حرب».
وكان مجلس الأمن اجتمع في جلسة طارئة، أمس، بطلب من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لبحث تصعيد القتال في حلب. وقال المندوب الروسي فيتالي تشوركين، إن «كثرة المجموعات المسلحة الناشطة في سوريا، وكثرة الأطراف التي تقصف أراضيها جعلت عودة سوريا إلى حياة سلمية مهمة «شبه مستحيلة»، موضحاً أن موسكو استجابت مرارا لطلبات واشنطن بإعلان هدن تتراوح مدتها من 48 إلى 72 ساعة، لكن ذلك كان يؤدي دائما إلى إعادة تموضع المسلحين وحصولهم على تعزيزات».
وأضاف: «لا يمكن أن تستمر حيل تكتيكية كهذه بلا نهاية، (لهذا) فإننا لن نوافق بعد الآن على أي خطوات أحادية الجانب»، موضحاً أن الحديث عن إحياء الهدنة في سوريا يجب أن يدور على أساس متعدد الأطراف حصراً «عندما لا نضطر إلى إثبات شيء ما لأحد ما من جانب واحد».
وقال تشوركين: «عليهم إقناعنا بأن لديهم رغبة صريحة في فصل المعارضين المتعاونين مع التحالف الأميركي عن جبهة النصرة، ثم القضاء على النصرة وجعل المعارضين جزءا من العملية السياسية»، لافتاً إلى أن تنظيم «جبهة النصرة» مستمر في الحصول على الأسلحة من الغرب، والولايات المتحدة تتجاهل هذه الحقيقة.
وأوضح أنه إذا لم يحدث ذلك فسيثير الأمر شبهات لدى موسكو بأن كل هذه التحركات هي من أجل إنقاذ «جبهة النصرة» من الضربة، موضحاً أن تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي يفتح طريقا للحل السياسي في سوريا، وأن لهذا الاتفاق أعداء كثيرين كانوا يسعون لتقويضه منذ البداية، «وهناك انطباع أن موقفهم غير البناء هو الذي تغلّب».
من جهته، قال المندوب السوري بشار الجعفري إن سوريا تعتبر «أن إجراء هذا الاجتماع هو رسالة للنصرة وللمجموعات الإرهابية المرتبطة بها، مفادها أن الدعم والغطاء السياسي ما زالا قائمين وسلاح الإرهاب للضغط على الحكومة ما زال ناجعا»، متهماً الولايات المتحدة وحلفاءها والمجموعات المسلحة التي تخضع لسيطرتها، بإفشال اتفاق وقف النار.
ولفت إلى أن الدول الغربية أفشلت مجلس الأمن الدولي 13 مرة في اعتماد بيان رئاسي أو قرارات تدين عمليات إرهابية في سوريا، كما أكد أن حكومة بلاده لن تتخلى عن شبر واحد من أراضيها.
سامنثا باور قالت إن أفعال روسيا في سوريا وحشية ولا تصب في سياق محاربة الإرهاب، قائلة إن موسكو «تدعم نظاما قاتلا وتتمادى في الاستفادة» من كونها تتمتع بالـ «فيتو» في مجلس الامن. واشارت الى ان واشنطن عرضت العمل مع موسكو في سوريا مرارا، لكننا لا يمكننا الاستمرار في ذلك.
وأضافت: «نعم هناك مجموعات ارهابية في سوريا الا ان ما تفعله روسيا (في حلب) ليس مكافحة للارهاب بل هو وحشية»، مؤكدة أن الولايات المتحدة ستجهد لإعادة نظام وقف إطلاق النار في سوريا «بكل ما لديها من الأساليب»، متهمة الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «لا يؤمن إلا بالحل العسكري في بلاده».
بدوره، طالب المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أطراف الأزمة بوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة لإيصال المساعدات لأهالي حلب. وقال إن وحدات «المعارضة» تستخدم صواريخ تقتل المدنيين، موضحاً أن حوالي نصف المسلحين في شرق حلب ينتمون لتنظيم «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة).
إلى ذلك، عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «صدمته»، وقال إن «قصف حلب بالقنابل الخارقة للتحصينات يدفع العنف في سوريا إلى مستويات جديدة من الوحشية»، داعياً «جميع الأطراف المتورطة (في الأزمة السورية) لتكثيف عملها من أجل إنهاء هذا الكابوس».
وكان وزير الخارجية الفرنسي جون مارك ايرولت أوضح أن سوريا وإيران قد تصبحان شريكتين في جرائم حرب إذا واصلتا إطالة أمد الحرب في سوريا.
ميدانيا
كتب علاء حلبي:
إن الخطة القائمة في منطقة حلب تتمثل في فرض حصار على أحياء حلب الشرقية وعزلها عن محيطها قبل التوغل في تلك الأحياء عن طريق «كوريدورات» فاصلة تقسم الأحياء إلى أجزاء صغيرة يسهل قضمها.
وبعد سد ثغرة الراموسة وفشل هدنة حلب، ركزت قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازرها اهتمامها على حي العامرية غرب المدينة. التوغل البري المتوقع بين لحظة وأخرى من شأنه أن يشكل بوابة إخضاع مسلحي تلك الأحياء، بالتوازي مع عمليات تمهيد وكر وفر في مخيم حندرات شمال المدينة، والذي تمكن مقاتلو «لواء القدس» الفلسطيني المؤازر للجيش السوري من السيطرة عليه قبل الانسحاب منه في وقت متأخر من ليل السبت - فجر الأحد.
مخيم حندرات في خاصرة المدينة الشمالية، وحي العامرية في الجنوب الغربي، محورا العمليات القتالية في الوقت الحالي، في اولى خطوات استعادة كامل مدينة حلب. في هذا السياق، يشير مصدر عسكري سوري خلال حديثه لـ «السفير» إلى انه «من المستحيل فعليا اقتحام كامل أحياء حلب، وبالتالي، لا بد من معالجة هذه البؤرة بحكمة، السيناريو الحمصي كان الأقرب للتطبيق خصوصا بعد نجاحه». ويتابع: «عمليات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره تهدف بشكل رئيسي إلى تضييق الخناق على مسلحي تلك الأحياء، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق اختراقهم وتمزيق مناطق سيطرتهم».
السفير اللبنانية